مداخلة السيد مُعز دريد، المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، في ندوة "النساء والفتيات الفلسطينيات: تحديات وصمود" التي نظمتها عبر الإنترنت منظمة تنمية المرأة
التاريخ:
السيدات والسادة الأفاضل،
الشكر الجزيل لدعوتكم الكريمة لي وللمكتب الاقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية للمشاركة في هذا الاجتماع الهام.
كنت أتمنى أن ألتقي بكم في ظروف أفضل مما نحن فيها اليوم؛ حيث أخاطبكم وأنا أعي جيداً أن في غزة الآن هناك أكثر من مليوني قصة للجسارة والصمود، للخوف والأمل، للألم والمثابرة.
على مدار ما يزيد عن عشرة أشهر، وهي عمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، شهدنا نتائج كارثية للحرب في الأرواح والبنى التحتية. من الصادم أن نعي اليوم أن عدد سكان القطاع قد انخفض من 2.3 مليون (اثنين وثلاثة من عشرة مليون) إلى 2.1 مليون نسمة (إلى اثنين وواحد من عشرة مليون)، بما يعني أن هناك نسبة 10 في المائة من سكان غزة إما قُتلوا أو غادروا القطاع.
لقد لقى نحو 40 ألف شخص حتفهم، وأُجبر أكثر من 90 في المئة من سكان القطاع على النزوح. فيما يعاني نحو نصف مليون من السكان من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي. كما أصبح سكان غزة أسرى لعالم من الدمار وشح الموارد، فقد دُمرت المنازل، والمستشفيات، والمتاجر، والمدارس، والجامعات.
هذه ليست مجرد أرقام، إنها قصص تستحق أن تُروى.
الزميلات والزملاء،
سأركز في مداخلتي القصيرة هذه على ما شهدته هيئة الأمم المتحدة للمرأة وعاينته بنفسها من عمق تأثير الحرب على النساء والفتيات. تأثير يجعل من الحرب على غزة، وبدون شك، حربًا على النساء أيضًا.
لقد عاينت ووثقت فرقنا في غزة التدهور الكارثي للظروف التي تحيا فيها نساء غزة. لقد أصاب بالغ الضرر كل جوانب حياتهن. وللأسف الشديد لا يبدو أن ثمة نهاية قريبة لهذه المعاناة الإنسانية القاسية.
تشير تقديراتنا في هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى فقدان أكثر من 10 آلاف امرأة حياتها بسبب الحرب و فقدان أكثر من 6 آلاف أسرة للأم. وفقدت الآلاف من النساء أحباءهن ومنازلهن وذكرياتهن.
عندما تفقد النساء الأزواج أو الأقارب، تصبح ربات أسر بلا مصدر رزق وتعاني شح الوصول للخدمات والموارد.
أُجبرت نحو مليون امرأة وفتاة على النزوح، بعضهن مررن بتجربة النزوح خمس أو حتى سبع مرات إلى مناطق أصبحت تضيق أكثر فأكثر. هذا النزوح المستمر يجعل النساء والفتيات على وجه التحديد عرضة للخطر. ومع كل موجة نزوح، تحمل كل امرأة وفتاة في غزة قصة خسارة: للأحبة والمنازل والذكريات.
تُظهر بياناتنا أن 557,000 امرأة (خمسمائة وسبع وخمسين ألف امرأة) يعانين من انعدام الأمن الغذائي الحاد. تعطي النساء في غزة اليوم الأولوية لإطعام الآخرين على أنفسهن. لقد تركت الأشهر العشرة الماضية علامات لا تمحى على وجوههن و نفسياتهن.
وسط الصراع، والعيش في خيام مؤقتة أو ملاجئ مكتظة، زاد العبء على النساء في توفير الرعاية لغيرهن. إنهن يكافحن لحماية الصحة البدنية والنفسية لأطفالهن بينما يتحملن مسؤوليات متزايدة تجاه أفراد أسرهن بما فيهم كبار السن أو ذوي الإعاقة.
كما إن الانتشار السريع للأمراض المعدية داخل الأماكن المكتظة يعرض النساء والفتيات لمخاطر صحية كبيرة. فالنساء غالبًا هن مقدمات الرعاية الأساسيات داخل الأسر. وتتعرض الحوامل بشكل خاص لمضاعفات عدة.
يحضرني هنا ما قالته ممثلة إحدى المنظمات النسوية الفلسطينية وهي تصف احتياجات النساء في ظل الحرب: "يجب ألا يكون السؤال ماذا تريد النساء؛ بل ما لا يُردنه. لا تريد النساء أن يمتن، ولا يردن دفن أحبائهن، ولا يردن أن يُترَكن ليعانين وحدهن".
من المهم للغاية ألا ننسى الوضع الإنساني المتدهور أيضًا في الضفة الغربية. زارت فرق هيئة الأمم المتحدة للمرأة جنين وطولكرم وقلقيلية. وعكست الشهادات التي سمعناها الخوف والمعاناة المستمرين اللذين يعيشهما سكان الضفة. سمعنا الكثير أيضا من قصص الخسارة والخوف.
نشرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مؤخرًا نتائج تقييم سريع لتأثير الحرب على 25 منظمةً تقودها نساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، 18 منها تتخذ من غزة مقراً لها.
هذه المنظمات، التي تضم أكثر من 1500 موظفًا وموظفة تلعب دورًا هامًا للغاية في خدمة المجتمع المحلي. فهي تقدم خدمات أساسية مثل إدارة مراكز الإيواء، وتوفير الطرود الغذائية، وكذلك مستلزمات النظافة، فضلا عن خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وخدمات الحماية. تؤدي هذه المنظمات كل هذه المهام بالرغم من تحديات الحرب، والدمار، ونقص التمويل.
تحتاج هذه المنظمات إلى الدعم المالي لدعم جهودها ودعم زيادة تمثيل المرأة في صنع القرار على كل المستويات، وهو أمر أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
دعم النساء والفتيات في غزة بعد انتهاء الحرب
تركز هيئة الأمم المتحدة للمرأة عبر تدخلاتها المختلفة على دعم أجندة المرأة والسلام والأمن والتي تركز بدورها على حماية النساء ودعم مشاركتهن في العمل الانساني وجهود الاغاثة والتعافي المبكر وبناء السلام.
وتتوافق رؤية هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع رؤية الفريق القطري للأمم المتحدة في فلسطين للتعافي المبكر والذي يركز على خلق فرص العمل، وسبل العيش المستدام، وتنشيط الأسواق، وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز الحكم القائم على حقوق الإنسان وضمان وصول النساء والفتيات للحقوق والفرص.
تتميز جهودنا في التعافي المبكر بأنها مستجيبة لمتطلبات النساء والفتيات ، وتعمل على تلبية احتياجاتهن والعمل على تمكينهم على كافة المستويات.
وسيركز دعمنا في الفترة المقبلة على توفير الدعم التقني والمالي للمنظمات النسوية، وتقديم خدمات انسانية عبر قطاعية للنساء الأكثر هشاشة بما يشمل خدمات الحماية وخلق فرص عمل موائمة.
هذا وتركز تدخلاتنا على تهيئة مجالات لمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار، وضمان استفادتها من فرص الإغاثة والتعافي الاقتصادي وبناء السلام على الصعيد المحلي.
كما ستستمر هيئة الأمم المتحدة للمرأة في توثيق أثر الأزمة المتفاوت على الجنسين ودعم جهود المناصرة الرامية لايصال أصوات النساء والفتيات الفلسطينيات للهيئات والمساحات الدولية االمختلفة .
وكلي أمل في الختام أن يتمكن المجتمع الدولي من تحقيق وقف فوري ومستدام لإطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2728) الصادر في 25 آذار/ مارس 2024 -وتوفير المساعدات الإنسانية الآمنة ودون عوائق وعلى نطاق واسع عبر قطاع غزة وداخله، بما في ذلك شمال غزة.
شكرا لكم على حسن الاستماع
مجموعة من الأسئلة التي أجاب عنها السيد معز دريد، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية بهيئة الأمم المتحدة للمرأة
سؤال: بالنظر إلى الدور المحوري لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة على مستوى العالم، كيف تقوم هيئة الأمم المتحدة للمرأة بشكل خاص بتخصيص دعمها وبرامجها لتلبية الإحتياجات والتطلعات الفريدة للمرأة الفلسطينية؟
تعمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبشكل دؤوب على تلمس احتياجات وأولويات النساء وتقديم تدخلات من شأنها أن تدعم حماية النساء وتمكينهن على كافة المستويات، فيما يخص عملنا في فلسطين وخاصة الآن في قطاع غزة فإننا نركز على إجراء تقييمات شاملة لأثر الحرب على احتياجات النساء لضمان توفيراستجابة شاملة وحساسة. و نقدم ذلك عبر شراكاتنا الطويلة والمثمرة مع المنظمات المحلية التي تقودها نساء. يضمن هذا النهج أن تكون تدخلاتنا مراعية للسياق الاجتماعي والثقافي وتعالج التحديات التي تواجه النساء تحت ظروف الحروب والنزاعات على وجه التحديد. وتركز مبادراتنا على دعم المنظمات التي تقودها نساء ماليًا وتقنياً للاستمرار في عملياتها، وتقديم خدمات الاغاثة العاجلة، والدعم المتعلق بالحماية من العنف والدعم النفسي الاجتماعي للنساء. كما نعطي الأولوية لتقديم خدمات المساعدات النقدية المؤقتة لمساعدة الأسر التي تعولها النساء، وتقديم فرص عمل مؤقتة لمن تتأثر سبل عيشهن بالتصعيد أو الحرب. كما نركز على إشراك النساء الفلسطينيات في عمليات صنع القرارو التعافي والأمن والسلام.
سؤال: بالتعاون مع الشركاء المحليين والإقليميين، ما هي أبرز الإجراءات الملموسة التي تتخذها هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتعزيز السياسات والممارسات التي تراعي النوع االجتماعي والتي من شأنها تسريع تحقيق المساواة بين الجنسين في فلسطين؟
تعمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة على تعزيز السياسات والممارسات التي تهدف لتحقيق المساواة بين الجنسين في فلسطين. نحن نقود رئاسة مجموعة العمل الخاصة بدمج النوع الاجتماعي في العمل الإنساني في فلسطين، وشبكة الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسيين، ونقدم الخبرة التقنية التي تركز على المساواة بين الجنسين لمختلف هياكل التنسيق الانسانية وللفريق القطري الإنساني، وهذا بدوره يضمن دمج المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في كافة مراحل التخطيط والاستجابة الإنسانية.
وندعم مشاركة المنظمات التي تقودها نساء في عمليات التخطيط والاستجابة الانسانية ووصولهم لمصادر التمويل ومشاركتهن في جهود صناعة القرار الانسانية. فضلاً عن دعمنا للجهود الوطنية بشأن الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسيين وتعزيزالمساءلة أمام السكان المتضررين.
كما نُصدر دراسات دورية حول تأثير التصعيدات والحروب على واقع النساء والفتيات، وذلك بهدف التأثير على سياسات صانعي القرار من الجهات الفاعلة بطريقة تجعل من قضايا النساء قضايا محورية وذات أولوية للاستجابة.
هذا بالاضافة الى عملنا في المساحات التنموية وبناء السلام والذي يركز بدوره على تمكين النساء السياسي والقانوني والاقتصادي عبر تغيير القوانين، ومحاربة الأعراف والتقاليد التي تميز ضد النساء وتحد من فرص تمكينهن، وتقديم الخدمات الشاملة، وخلق مساحات لمشاركة النساء في العمليات السياسية وعمليات بناء السلام.
سؤال: في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها المجتمع الفلسطيني، كيف تقيمون مستوى التقدم المحرز في تمكين المرأة الفلسطينية من ممارسة دورها والتمتع بحقوقها السياسية والإجتماعية والاقتصادية وغيرها من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية ذات الصلة؟ وما هي أبرز التحديات التي ما زالت قائمة؟
مما لا شك فيه أن هناك الكثير من التقدم المحرز في تمكين المرأة الفلسطينية تم تحقيقه من خلال الدور المحوري لوزارة شؤون المرأة الفلسطينية والمنظمات النسوية والائتلافات المختصة بقضايا النساء مثل ائتلاف سيداو وائتلاف القرار 1325. ومن الانجازات الواضحة العمل الدؤوب لمراجعة القوانين المختلفة من منظورتضمين حماية وتمكين النساء والفتيات، وتطوير نظام تحويل وطني لخدمة النساء الناجيات من العنف، وتقديم خدمات عون قانوني وحماية شاملة ومتعددة القطاعات. بالاضافة الى جهود دولة فلسطين الرائدة في تبني خطة وطنية للمرأة والسلام والأمن ودعم تنفيذها.
والتحديات كانت وستظل مرتبطة بأثر الاحتلال والحروب والأزمات الانسانية على واقع النساء والفتيات الفلسطينيات، مصحوبًا بالطبع بتحديات مرتبطة بالثقافة الذكورية السائدة والأعراف الضارة، مما يحد من احراز التقدم في حصول النساء على حقوقهن ووصولهن العادل للفرص والمصادر المناسبة.
سؤال: قطاع غزة يكابد تحديات الحرب وتداعياتها، ومحاولات اسرائيل جعله منطقة غير قابلة للحياة، بالتزامن مع نقص في المساعدات الإنسانية، وغياب الحماية والعدالة الدولية للضحايا، أي رسالة توجهها هيئة الأمم المتحدة للمرأةالفلسطينية وللشركاء الدوليين ؟
- كما ذكرت في خطابي نأمل أن يتمكن المجتمع الدولي من تحقيق وقف فوري ومستدام لإطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2728)) الصادر في 25 آذار/ مارس 2024 -وتوفير المساعدات الإنسانية الآمنة ودون عوائق وعلى نطاق واسع عبر قطاع غزة وداخله، بما في ذلك شمال غزة.
- كما أؤكد على أهمية دعم النساء الفلسطينيات والمنظمات التي تقودها نساء الآن أثناء استمرار الحرب ووقت توقفها وفي كل المراحل التي تلي ذلك والتي آمل بشدة أن تحمل السلام والاستقرار واعادة الإعمار والتنمية.