الكلمة الافتتاحية للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، في مؤتمر أبو ظبي الدولي للمرأة والسلام والأمن.

التاريخ:

الكلمة الافتتاحية للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، في مؤتمر أبو ظبي الدولي للمرأة والسلام والأمن،  8 سبتمبر 2022
الكلمة الافتتاحية للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، في مؤتمر أبو ظبي الدولي للمرأة والسلام والأمن،  8 سبتمبر 2022 

صاحبات وأصحاب السمو والمعالي والسعادة، الزميلات والزملاء، الحضور الكرام، السلام عليكم وصباح الخير ،

اسمحوا لي بدايةً أن أتقدم بأسمى آيات الشكر، والعرفان وعميق التقدير لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" لرؤيتها المستنيرة وقيادة سموها الحكيمة لجهود تمكين المرأة الامارتية والعربية، وعلى كون سموها منارة ً للأمل للنساء والفتيات على الصعيدين الاقليمي والدولي.

وكذلك أثمن عالياً وبكل اعتزاز دور سموها الريادي في حشد الجهود للدفع قدماً بأجندة المرأة والأمن و السلام، وتحقيق التقدم المرجو على صعيد هذا الملف المهم والحيوي ضمن أولويات هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

كما يطيب لي أن أهنئ دولة الإمارات العربية المتحدة على احتلالها المرتبة الأولى إقليميًا في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2020. وعلى أدائها الملفت في مجلس الأمن. وهنا يجب أن أذكر أن ملف المرأة والسلام والأمن كان أحد ركائز ملف ترشح دولة الإمارات لعضوية مجلس الأمن 2022-2023. وفي هذا رسالة عميقة المعنى لدعم المرأة ومكانتها وريادتها في سلامٍ ما أحوجَ عالمنا إليه اليوم.

اسمحوا لي أن أعبر أيضاً عن شكري وتقديري لوزارة الخارجية والتعاون الدولي ووزارة الدفاع والاتحاد النسائي العام وجامعة الدول العربية لعقدهم هذا المؤتمر الدولي للمرأة والسلام والأمن بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة والتي أتشرف برئاستها.

وإنه لمن دواعي سروري البالغ أن أتواجد معكم هنا اليوم في أبو ظبي الشامخة  التي توظف كل الإمكانات والقوى الاقتصادية والتنموية والسياسية لرفعة البشر، نساءً ورجالًا، محلياً واقليمياً ودولياً.

السيدات والسادة والحضور الكريم

نواجه اليوم تحدياتٍ غير مسبوقة تتعدد فيها الأزمات وتتشابك على الصعيدين الإقليمي والدولي مولدةً كمٍ غير مسبوق من العوائق التي تتراكم لتقف سداً أمام آمال الملايين من النساء والفتيات في حاضر وغدٍ أكثر عدالةً وانصافاً لهن، حيث طالتهن التداعيات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 وحالة الطوارئ المناخية وأزمة الغذاء والطاقة العالمية وتبعات الحروب والنزاعات، طالتهن أكثر من غيرهن ودفعن الثمن غالياً. وبينما تشهد حقوق المرأة في بعض الدول شيئًا من التقدم، إلا أن العالم لا يزال يشهد الكثير من التقويض لحقوق المرأة والفتيات، حيث تساهم هذه الأزمات المتلاحقة في تسارع وتيرة تراجع تلك الحقوق بشكل مقلق وغير مسبوق.

وهنا، يجب أن نذكر أنفسنا أنه بالرغم من أن النساء والفتيات هن الأكثر تعرضاً للآثار السلبية الناجمة عن الحروب والكوارث والأزمات، إلا أننا لا يجب أن ننظر إليهن على أنهن ضحايا فقط، بل إنهن أيضاً قائدات تغيير يتمتعن بالقوة والمنعة التي ينقلنها إلى أسرهن ومجتمعاتهن.وقد شهدنا منعة المرأة وقيادتها في العديد من المواقع في أزمات العالم. وقد ألهمتنا العديد منكن في هذه القيادة. هنا اليوم وفي هذه القاعة ألهمتمونا بقيادتكن ومنعتكن وعملكن. أحييكن جميعاً من هذا المنبر.         

الحضور الكريم،

لقد أدّت الأزمات المتوازية والمتلاحقة إلى زعزعة الاستقرار العالمي، وتسببت في فقدان مئات الآلاف من الأرواح وهجرة ونزوح ملايين الأشخاص.

أدت الحروب والنزاعات التي يشهدها عالمنا اليوم أضافة الى الأزمات المتعلقة بتغير المناخ وغيرها إلى وجود اكثر من 300 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة عالميًا، تشكل النساء والأطفال الغالبية العظمى منهم. وقد أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين موخراً بأن هناك زيادة سنوية خلال العقد الماضي في عدد الأشخاص الذين اضطُروا إلى الفرار وترك أوطانهم وبيوتهم، لتسجل اليوم أعلى معدلاتها وتتخطى 100 مليون لاجئ ونازح، تفوق نسبة النساء والأطفال منهم الخمسين بالمائة. وتقوم هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع شركائنا بتقديم الدعم المباشر لهم وتساهم في مواجهة حالات الطوارئ الإنسانية في مناطق النزاعات حول العالم.

كثيرٌ من الأزمات التي يُعاني منها عالمنا، بما في ذلك في هذه المنطقة، تتحول من حالاتٍ طارئة إلى أزماتٍ مزمنة تتأثر بها النساء والفتيات بشكل مباشر وبشكل كبير يؤدي الى انحراف مسارات تعزيز حقوق المرأة وحمايتها وتمكينها.

تكشف الدراسات العديدة التي قامت بها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في أفغانستان وسوريا وأوكرانيا وكولومبيا ومنطقة الساحل الافريقي وغيرها من الدول عن زيادات مضطردة في العنف ضد المرأة والذي غالباً ما يستخدم كسلاح حرب يشمل الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وزواج القاصرات واضطرارهن إلى ترك الدراسة.

وتتعرض النساء أيضاً في أوقات الأزمات وما ينتج عنها من انعدام الأمن والسلم الى العنف المنزلي والذي ارتفع بشكل مضطرد في كافة انحاء العالم في ظل جائحة كوفيد-19 . كما تتعرض النساء اللاتي يترشحن للمناصب العامة للعنف والإقصاء أيضاً والأمثلة على ذلك كثيرة ومقلقة.

السيدات والسادة:

لا يشكل العنف الممارس ضد المرأة التحدي الوحيد أمامنا، فهناك تحديات أخرى عدة تواجهها النساء منها الإقصاء الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص في الدول المتضررة من النزاعات، حيث تشير الدراسات أن 44% فقط من النساء من المرجح أن يعملن مقابل أجر، مقارنةً بـ 66% من الرجال في الدول ذاتها.

وهناك تحدي آخر هو انخفاض نسبة مشاركة المرأة في القيادة وصنع القرار. ففي عام 2021، كانت نسبة مشاركة المرأة في البرلمان 25% فقط، وكانت هذه النسبة أقل في الدول التي تشهد نزاعات، ودول ما بعد النزاعات، حيث بلغت هذه النسبة 18,9% فقط.

الحضور الكريم،

لكي نتصدى لهذه التحديات لابد أن نعمل كي نضمن للنساء والفتيات حاضراً ومستقبلاً خال من العنف والتمييز، وكي نضمن أيضاً  تحقيق أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك الهدف الخامس. تشير كافة مراجعتنا الى أننا  لازلنا بعيدون عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأجندة 2030، وفي كثير من الأحيان هناك ترجعًا أو انحرافًا عن المسار.  وفي الواقع، هناك مؤشر واحد فقط من مؤشرات الهدف الخامس -هدف المساواة بين الجنسين- يكاد يسير على الطريق الصحيح، وهو الدور القيادي الذي تلعبه المرأة في مجال الحكم المحلي. أما فيما يتعلق بالهدف رقم 16 من أهداف التنمية المستدامة وهو هدف التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة- فنحن أيضا بعيدون عن تحقيق ذلك. ونشهد للأسف زيادة كما قلنا في حالات الصراع وعدم الاستقرار تدفع الملايين من النساء ثمناً باهظاً له.

ولكن ماذا يحدث عندما تنتهي الحروب؟

نُقصي النساء. وتُقصى النساء وتغيب وتبقى إلى حد كبير بعيدة عن المشاركة في عمليات صنع السلام والوساطة، وتبقى أصواتهن وتجاربهن خارج إطر المفاوضات والمحادثات التي يمكن أن ترد لهن السلام والأمل أو تسلبه مجدداً.

نعلم أن مفتاح التصدي لهذه التحديات ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة هو تمكين المرأة. فلا تنمية يمكن تحقيقها من دون مشاركة المرأة الحقيقية وتمكينها على كافة الأصعدة. ولا سلام يمكن تحقيقه في العالم دون ذلك. ونعلم أيضاً أن قيادة المرأة تؤدي بشكل مباشر إلى بناء مجتمعات ودول أكثر سلامًا وعدالةً واستدامةً. وهذا يتطلب منا القيام بخطوات مدروسة تعتمد على ممارسات أثبتت نجاحها مثل:

  • وضع ميزانيات تراعي أولويات النساء والفتيات؛
  • تفعيل منظومة شاملة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات بدءًا بتطبيق القوانين الوطنية والدولية، وتأهيل الكوادر الطبية والشرطية في التعامل مع حالات العنف؛ والتأكد من وجود أنظمة شاملة تُمكن الناجيات من العنف من الوصول إلى الخدمات والعدالة.
  • تطبيق الكوتا النسائية المنصوص عليها تشريعياً للتمثيل البرلماني للمرأة.
  • ورفع مستوى ونسبة مشاركة المرأة في جهود التصدي للتغير المناخي وإدارة الكوارث وفي مفاوضات السلام وقيادتها في التخطيط واتخاذ القرار.

السيدات والسادة، الحضور الكريم،

 على الرغم من الصعوبات والتحديات والأزمات، لا تزال الفرص أمامنا كبيرة لبناء عالم أفضل، وهذا يتطلب تضامننا معاً وتكاملاً وشراكةً بين مختلف القطاعات، مدعومةً بالإرادة السياسية والموارد اللازمة، والتنسيق الكامل دولياً وإقليميًا على كافة المستويات، وكذلك مشاركة الخبرات والدروس المستفادة والمعرفة بشفافية، لكي يتعاظم التأثير وتزيد وتيرة التغيير الذي ننشده جميعًا.

وهنا تُعد خطط العمل الوطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 مساراً محورياً للإسراع في جهودنا للمضي قُدُماً. وفي هذا السياق، لدينا اليوم 103خطط وطنية عالمياً، منها في عشر دول عربية. ولا بُد أن أنوه هنا بأن دولة الإمارات العربية المتحدة، بلدنا المُضيف والمضياف، هي واحدة من هذه الدول العشرة التي أحييها على جهودها إضافة إلى الأردن ومصر  وتونس والمغرب وفلسطين والعراق ولبنان واليمن والسودان.

وعلى صعيد آخر، فقد تم تأسيس سبع شبكات وساطة نسائية عالمياً، بما في ذلك الشبكة العربية للنساء وسيطات السلام بقيادة جامعة الدول العربية ولها كل التقدير والشكر على ذلك.

إضافة لذلك، فقد تولت سبع نساء مناصب قيادية عليا في الوساطة الأممية، في سوريا والعراق وليبيا.

وفي ضوء ما تقدّم، لا بُد لي أن أشيد بالشراكة القوية مع الدول العربية الداعمة لأجندة المرأة والسلام والأمن.

لقد كانت الإمارات العربية المتحدة نصيراً قوياً وشريكاً بارزاً في إحراز التقدم ضمن أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما هدفها الخامس. وفي هذا الصدد، فإنني أثمن "مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن"، التي توفر فرص تدريب وبناء قدرات للنساء من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا في الجيش والشرطة وقوات حفظ السلام كما رأينا قبل قليل. وتفخر هيئة الأمم المتحدة للمرأة بشراكتها في هذه الجهود.

كما نشيد بدور دولة الإمارات البارز في مجلس الأمن وحرصها على ادراج أجندة تمكين المرأة في مناقشات المجلس المختلفة. و نقدر على وجه الخصوص المناقشة المثمرة حول الدمج الاقتصادي للمرأة ومشاركتها كعنصر أساسي في بناء السلم والأمن، في جلسة النقاش المفتوح حول "النهوض بأجندة المرأة والسلم والأمن من خلال الشراكات" التي دعت إليها دولة الامارات خلال رئاستها لمجلس الأمن بصفتها رئيساً لمجلس الأمن خلال شهر مارس /آذار من هذا العام.

صاحبات وأصحاب السمو والمعالي  والسعادة، الحضور الكرام،

نهدف من خلال هذا المؤتمر، إلى بناء الشراكات القوية اللازمة لاستعادة وتيرة التقدم وتسريعها وفي هذا الإطار، اسمحوا لي أن أقدم خمس توصيات رئيسية ستساعدنا على المضي قدماً:

أولاً: أدعو الحكومات للدفع باتجاه اعتماد خطط عمل وطنية لتنفيذ القرار 1325 وتطبيقها لزيادة المشاركة الكاملة والعادلة والهادفة للمرأة فى عمليات السلام، وذلك من خلال تدابير وأهداف محددة يتم رصد التقدم تجاه تحقيقها بعناية.

ثانياً: أدعو جميع المشاركات والمشاركين على التوقيع على ميثاق المرأة والسلام والأمن والعمل الإنساني. ويجدر بالذكر أن هذا الميثاق المنبثق عن منتدى جيل المساواة يعتبر أحد التحالفات الأساسية التي تعمل على بناء شراكات لتفعيل دور النساء في مجالات السلم والأمن والإغاثة الإنسانية وفي مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

ثالثاً: أدعو إلى المزيد من الاستثمار في توفير البيانات والتحليلات المراعية للنوع الإجتماعي.

رابعاً: أحث على الاستثمار في الركائز الرئيسية التي تعتبر أساسية للسلم والأمن مثل العدالة والإدماج الاقتصادي ومناهضة العنف بكل أشكاله.

خامساً: أحث على الاستثمار في الشابات والشباب وفي تعليم يكرس المساواة بين الجنسين وإشراك الرجال والفتيان في مجال تمكين النساء والفتيات على كافة الأصعدة.

الحفل الكريم،

أتطلع إلى مناقشات ونتائج هذا المؤتمر الهام، وأعوّل على شراكتكم ودعمكم وقيادتكم المستمرة لتمكين المرأة ومناصرتها وحماية حقوقها خصوصاً في مجال والسلم والأمن.

وبصفتنا الهيئة المنوطة بتنسيق عمل منظومة الأمم المتحدة بشأن المساواة بين الجنسين، سنستمر في العمل على ضمان أن يعزز عمل الأمم المتحدة بأكمله أجندة المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتيات والعمل على السلم والأمن وانخراطهن فيهما.

كما سنستمر في تعزيز العمل الذي نقوم به في الدول ببرامج وخطط عملية يمكن تتبع فاعليتها على أرض الواقع، ونحن على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم الكامل لكم في وضع وتنفيذ الأولويات الوطنية وإحراز تقدم في خطط العمل الوطنية للمرأة والسلام والأمن.

ختاماً، الحضور الكريم،

إن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشركاءنا حول العالم، يجتهدون للدفع بهذا الملف المهم قدماً، لكننا نحتاج إلى المجتمع الدولي، إليكم جميعاً، للتضامن معنا، لنتمكن من الوفاء الكامل بالتعهدات التي قطعناها على أنفسنا تجاه النساء والفتيات في مناطق الصراع والناجيات منه.

يجب أن ننصت جيدًا لأصوات النساء...

هذا هو سبيلنا الوحيد لإستعادة التوازن والمساوة، وكسب فرصًا للسلام لن تتحقق بدون هذا التكاتف المنشود، فلنقف معًا من أجل قيمنا المشتركة. إن السلام والأمن اللذين نتطلع إليهما لن يكونا ممكنين إلا عندما تلعب المرأة دورًا مركزيًا.

لنغتنم الفرصة التي يتيحها لنا هذا المؤتمر لكي نمضي معاً بخطى واثقة وحاسمة نحو توفير البيئة الداعمة لتعزيز دور النساء في إحلال السلام  الأمن والتصدي للكوارث والأزمات التي تؤثر عليهن.

شكراً لاستماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.