أجيال من الألم: قصص من صمود النساء الفلسطينيات – أصوات من الضفة الغربية

التاريخ:

UN Women
صور: هيئة الأمم المتحدة للمرأة / علاء بدارنة

تتشارك ثلاثة أجيال من النساء الفلسطينيات يعشن في الضفة الغربية قصة مشتركة عن المصاعب المستمرة التي شكلتها عقود من الحرب والنزوح. تحدثت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى وفيقة وكفا وجوان – ثلاث نساء متضررات أشد الضرر من النزاعات المستمرة: من نكبة عام 1948 مرورًا بالانتفاضتين الأولى والثانية، وصولًا إلى الأعمال العسكرية الجارية الآن. تكشف حياة هؤلاء النساء عن إرث مؤلم من الصدمة التي تنتقل من الجدة إلى الأم إلى الحفيدة. ومع ذلك، وعلى الرغم من معاناتهن، لا تزال هؤلاء النساء صامدات. ويجسدن قوة وتصميم النساء الفلسطينيات الواقعات في مرمى نيران الحرب.

تروي السيدة وفيقة أبو علي، 82 عامًا، قصتها: "ولدت في قرية الكفرين بالقرب من حيفا. كنت في الخامسة من عمري فقط عندما أجبرونا على مغادرة دارنا في عام 1948. تلك الليلة محفورة في ذاكرتي: أسير لساعات مع أمي وأبي وأختي وإخوتي الثلاثة بحثًا عن ملجأ من الظلام الذي حل علينا. وصلنا إلى أم الفحم في حيفا حيث نصبنا خيمة مؤقتة. ولكن عندما حل الشتاء، كان البرد عدوًا شرسًا. بحث والدي بحثًا مضنيًا عن بيت نستأجره. بقينا في منزل لمدة عام تقريبًا قبل أن يتم اقتيادنا إلى مخيم الجنزور للاجئين في جنين".

"الأمل هو ما يجعلنا نستمر. الأمل في العودة يومًا ما إلى أرضنا. ولكن مع مرور كل يوم، يتضاءل هذا الأمل. لقد تحملنا ظروفًا قاسية، خيام واهية في مواجهة عواصف ثلجية مع طعام بالكاد يكفي لإبقائنا على قيد الحياة. كان الثلج المنهمر يسحق الخيام، تاركًا الناس مستضعفين وعُزل. نُقلنا مرة أخرى، وهذه المرة إلى مخيم الفارعة، الواقع في منطقة ريفية، على بعد 17 كيلومترًا شمال شرق نابلس. هذا هو المكان الذي بدأت فيه حياتنا "الجديدة".

"اندلعت الحرب مرة أخرى في عام 1967، فنزحنا مجددًا ونحن مجبرين على الاختباء في الكهوف كلما اقتربت أصوات الطلقات النارية التي تصم الآذان. بحلول ذلك الوقت كنت متزوجة ولدي أربع بنات، واحدة منهن مجرد رضيعة. الخوف الذي شعرنا به في تلك الأيام لا يُوصف، ولكن حتى هذا الرعب يتضاءل مقارنة بما أشعر به الآن. لا تزال العمليات العسكرية تطاردنا، تدمر البيوت وتحطم الأرواح. دُمر جزء من منزلي عندما قصف الجنود منزل جاري. أعيش في خوف دائم، خوف على أطفالي وعلى نفسي وعلى المستقبل. منذ ما يقرب من ثمانية عقود، والخوف والنزوح رفيقاي الدائمين.أحمل ثقل كل ما فقدته، والحلم الذي لم يتحقق بالعودة إلى داري في حيفا".

UN Women ROAS
صور: هيئة الأمم المتحدة للمرأة / علاء بدارنة

تروي السيدة كفى أبو حرب قصتها هي أرملة تبلغ من العمر 49 عامًا لديها ثلاثة أبناء وابنة: "مثل كثيرين آخرين، كانت حياتي ممزوجة بصدمة حرب لا تنتهي. كان عمري 13 عامًا فقط عندما اندلعت الانتفاضة الأولى في عام 1987. ما زلت أتذكر الرعب الذي سيطر علينا ونحن طلاب يتنقلون من مخيم نور شمس في شمال الضفة الغربية باتجاه طولكرم. كنا نخشى كل يوم ألا نعود إلى ديارنا. أجبرتنا العمليات العسكرية على ترك المدرسة والهرب للنجاة بحياتنا. لا يزال بإمكاني سماع دقات قلبي، وأصوات الدمار يتردد صداها داخلي بينما كانت القوات الإسرائيلية تحطم كل شيء داخل منزلنا".

"خلال الانتفاضة الأولى، واجهنا حظر التجول مرات عدة، بعضها استمر لأكثر من 20 يومًا. كنا محاصرين، ما تسبب في نقص حاد في الغذاء. وعلى الرغم من التهديد المستمر، مشيت أنا وعدد قليل من قريباتي (ظنًا منا أن الأمر أقل خطورة على النساء) لساعات للعثور على أي شيء نأكله. كان هناك احتمال أننا قد نُقتل في أي لحظة. لم تكن الانتفاضة الثانية مختلفة [سبتمبر/أيلول 2000]. في ذلك الوقت، كنت متزوجة وأعيش في مخيم الفارعة. دمرت التفجيرات والغارات أي مظهر من مظاهر السلام. كنت أخشى على حياة أطفالي. وعندما لجأت إلى منزل أمي، اعتقدت أننا سنكون أكثر أمانًا. ولكن حتى هناك، كانت السلامة مجرد وهم".

"الخوف ظل لا يفارقنا. الجنود يقتحمون منازلنا، وينتهكون خصوصيتنا. يستجوبوننا ويختطفون أبناءنا في ظلمة الليل بلا سبب أو مبرر قانوني. هذا هو الواقع الذي نعيشه. لا يزال أحد أبنائي قابعًا في السجن، بدون تهمة وبدون محاكمة. كيف يمكننا تحمل هذا؟ كيف يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي بينما نُجرد من كرامتنا وإنسانيتنا؟ نحن لا نطلب الكثير - فقط الحق في العيش بسلام، والتنفس دون خوف. لقد تحملت النساء الفلسطينيات وطأة هذه المعاناة، ومع ذلك ما زلنا هنا. ما زلنا واقفين. قوتنا هي كل ما تبقى لنا".

UN Women / Alaa Badarneh
صور: هيئة الأمم المتحدة للمرأة / علاء بدارنة

جوان حمدان، حفيدة السيدة وفيقة، 13 عامًا فقط، لكن حياتها الصغيرة شكلتها الحرب أيضًا. كل عملية عسكرية تبدو وكأنها نهاية العالم بالنسبة لها. تقول: "أنا خائفة على تعليمي ومستقبلي." تتذكر أنها كانت تلعب في منزل جدها عندما ضربت غارة عسكرية مكان قريب. هزتها التفجيرات حتى النخاع. مرت ثلاثة أيام طويلة، وهي تحاول جمع شتات نفسها. تحطمت براءة طفولتها. صار التعليم حلمًا بعيد المنال، فيما العِبْءُ النفسي يثقل كاهل عقلها الصغير. تقول: "أفكر في قصص جدتي عن النكبة في عام 1948، عن أجيال بأكملها تم تهجيرها، وتحولت أحلامهم إلى غبار، وهذا ما زال يحدث كل يوم".

تطمح جوان إلى أن تصبح محامية للدفاع عن شعبها. لكن في خضم الحرب، يبدو حلمها هشًا، يمكن أن ينتزع في أي لحظة. تقول جوان:  "لقد سرقت الحرب مستقبل الكثير من الأطفال في غزة، والآن نخسر مستقبلنا أيضًا في الضفة الغربية". هي تدرك تماما أن تعليمها ومستقبلها محفوف بالمخاطر. ومع ذلك، فهي تتمسك بأمل هش، وتحلم بأن السلام سيأتي ويسمح لها بمتابعة أحلامها.

تحملت ثلاثة أجيال من النساء – وفيقة وكفا وجوان – أعباء الحرب والنزوح والخسارة. وعلى الرغم من الندوب العميقة، إلا أنهن صامدات. إن قوتهن تتحدى المعاناة الهائلة التي واجهوها. لقد تحملت النساء الفلسطينيات أكثر من نصيبهن من الألم، لكنهن ما زلن يَحلُمن ويكافحن يَأْملَنَّ. لا يمكن للعالم أن يظل صامتًا بعد الآن. لقد حان الوقت للاستماع إلى صرخاتهن من أجل العدالة والكرامة وحياة خالية من الخوف. لقد حان الوقت لكي يتحرك العالم.