آمال بركة رائدة بناء السلام للمرأة الليبية
التاريخ:
ولدت آمال بركة في مدينة تاورغاء الواقعة على بعد 40 كيلومترًا جنوب مصراتة في ليبيا. بعد انفصال والديها، عاشت مع والدها وعائلته في مصراتة. تزوجت والدتها من جديد وشكلت عائلتها في تاورغاء. كانت آمال تتمتع بعلاقات طيبة مع كلتا العائلتين، فقد اعتادت السفر ذهابًا وإيابًا بين المدينتين اللتين كانتا تربطهما علاقات مصاهرة وجيرة لعقود إلى أن اندلعت الحرب الأهلية في عام 2011.
لسوء الحظ، وقع سكان تاورغاء ومصراتة في خضم صراع الحرب الأهلية. في عام 2011، لجأت آمال وأمها وأقاربها إلى مخيم للاجئات واللاجئين في طرابلس مع 40 ألف شخص آخرين من تاورغاء.
بعد أن تحملت سنوات من الصراع والنزوح، اعتقدت آمال اعتقادًا راسخًا أنه لا يمكن أن يكون هناك منتصر في الحرب وأن الخيار الوحيد أمام مجتمعي المدينتين هو إصلاح نسيجهما الاجتماعي. وبصفتها امرأة ليبية تنتمي إلى كلتا المدينتين، رأت أنها يمكن أن تساهم في بناء هذا السلام، حيث ارتأت آمال أن النساء الليبيات يتحملن وطأة الصراع وأن فقط الأشخاص التي عانت ويلات الحرب هم (أو هن) من يمكنهم/ن المساعدة في إنهائها، وبهذا سعت لإشراك نساء أخريات في مساعيها.
تعرفت آمال إلى السيدة آسيا الشويهدي خلال مجموعة عمل حول المرأة والسلام والأمن برعاية الأمم المتحدة في عام 2018. وتعيش آسيا وهي أم لطفلين مع عائلتها في منزل في مصراتة أصبح في الخطوط الأمامية للمعركة ضد القوات الموالية للقذافي. عندما اقتحموا المدينة دُمّر منزلها وشرّدت مع عائلتها. مثل آمال، كانت آسيا مصممة على القيام بكل ما يلزم لإغلاق الهاوية للشعب الليبي. نشأت صداقة دائمة على الفور بين المرأتين.
لتأمين الدعم لمبادرتهما التي تقودها النساء، التقت المرأتان بوزير الدولة لشؤون النازحين السيد يوسف جلالة في عام 2018 وأخبرتاه عن خطتهما لإنشاء فريق سلام نسائي للمصالحة بين المدينتين. ولد "فريق السلام النسائي تاورغاء - مصراتة". ثم شرعت السيدتان للتواصل مع نساء أخريات من كلتا المدينتين. لم تكن آمال ومجموعتها يَسْعَيْنَ إلى اتفاقات رسمية تتجاهل استياء الناس وتظلماتهم، بل عملن على تحقيق مصالحة صادقة بين مجتمعي المدينتين. ولتحقيق ذلك، كان لا بد من إشراك المجتمعين في مساعيهن لبناء السلام.
تمكنت آمال، التي كانت تحظى باحترام واسع من كلا المجتمعين، من تنظيم زيارات لمجموعات من نساء تاورغاء المتأثرات إلى مصراتة. لقد أرادت فقط أن يجلس الناس من المدينتين في غرفة واحدة من جديد. لم تكن لأقدام العديد من النساء أن تطأ المدينة لولا إصرار آمال وإقناعها وحضورها اللافت. على الجانب الآخر، تمكنت آسيا أيضًا من جلب نساء مصراتة إلى تاورغاء. أجرى فريق السلام النسائي العديد من المحادثات مع النساء من كلا الجانبين لمناقشة كيف يمكن للمصالحة والتعايش فقط إعادة ليبيا التي عرفنها قبل الحرب. سمحن للنساء بالتعبير عن مظالمهن ضد بعضهن البعض ليرين بأنفسهن كيف كن جميعًا ضحايا حرب لا رحمة فيها. كما قمن بعقد دورات تدريبية لبناء السلام حتى يمكن للمرأة أن تساعد بنشاط في إصلاح العلاقات بين المجتمعين.
منذ ذلك الحين، انضمت حوالي 100 امرأة من المدينتين إلى فريق السلام، وعملن جميعًا معًا لإعادة السلام بين المجتمعين. لقد ساعدن العديد من سكان تاورغاء على العودة إلى مدينتهن. استفادت آمال وآسيا من العادات التقليدية لخلق فرص لاستعادة السلام وحسن النية بين المجتمعين، فعلى سبيل المثال، قمن بتنظيم حفل لمولود جديد، حيث استقبل أهالي مصراتة أول مولود من تاورغاء لعائلة عائدة، وقدموا لهم التهاني والهدايا.
اتخذت آمال وزملاؤها العديد من إجراءات بناء الثقة لمعالجة مظالم الناس، مثل زيارات السجون للمطالبة بتخفيف أحكام السجن على سجناء تاورغاء، والذين تم الإفراج عن بعض أولئك السجناء منذ ذلك الحين. لقد دافعن بنجاح عن استقلال الهيئة الليبية للبحث والتعرف على المفقودين.
كما أنشأت المجموعة مراكز للدعم النفسي في المدينتين لمساعدة النساء على التعامل مع صدمات الحرب والنزوح للوقوف على أقدامهن من جديد. وعقد الفريق دورات تدريبية حول التمكين الاقتصادي للنساء النازحات المستضعفات من تاورغاء في مصراتة للتخفيف من معاناتهن.
قالت آمال "الطريق نحو الاستقرار صعب ويتطلب الكثير من الوقت والدعم، لا سيما الدعم النفسي والاجتماعي. هناك نسبة كبيرة من الأشخاص المتضررة من مشاكل نفسية شديدة، وخاصة بين النساء والأطفال، بسبب ما حدث خلال فترة النزوح والحرب. لا بد من مساعدتهم لاستعادة توازنهم".
من القضايا المهمة الأخرى التي عمل عليها الفريق النسوي هي الدعوة إلى إعادة فتح الطريق الساحلي في ليبيا. هذا الطريق السريع الذي أغلق منذ عام 2019، يربط مصراتة بسرت وهو حيوي لحركة الأشخاص والبضائع. أدى إغلاقه إلى إفقار العديد من الليبيين والليبيات وعزلهم/ن عن عائلاتهم/ن في جميع أنحاء البلاد. في 20 حزيران/ يونيو، أعيد فتح الطريق أخيرًا قبل مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، في إشارة إلى التقدم الواضح في عملية السلام. وأثناء احتفال كانت آمال وفريقها من أول الحاضرات فيه، قالت للصحفيين/ات إنه "على الرغم من كل القوى الخارجية التي تسعى إلى تقسيمنا، فنحن هنا كليبيا واحدة. رجالًا ونساءً وشبابًا". كانت هذه كلماتها الأخيرة.
بعد الاحتفال، تولت آمال قيادة السيارة لتوصل زميلاتها قبل العودة إلى المنزل. في الطريق، تعرضت لحادث وتوفيت بشكل مأساوي، ونجت زميلاتها.
توفيت آمال ولكنها تركت عائلتها وزميلاتها في فريق السلام النسائي تاورغاء – مصراتة لمواصلة مسيرتها. ستعيش ذكراها في قلوب الآلاف من الأشخاص الذين عملت بلا كلل من أجل سلامهم/ن ومصالحتهم/ن.