كيف استخدمت النساء أعراف اليمن القبلية للتوسط في فض الصراعات

التاريخ:

Ola Al-Aghbari, a young Yemeni civil society female leader who heads the Sheba Youth Foundation negotiating with influential local men in Taiz.
عُلا الأغبري ، قيادية شابة في المجتمع المدني اليمني ترأس مؤسسة شباب سبأ للتنمية، تتفاوض مع رجال محليين مؤثرين في تعز. الصورة: بإذن من مؤسسة شباب سبأ للتنمية. 

منذ بداية الصراع في اليمن في عام 2014 ، لعبت النساء أدوارًا أساسية كمستجيبات أوليات وصانعات سلام في مجتمعاتهن. وعلى الرغم من استبعادهن الكبير من المفاوضات الرسمية، فقد توسطت النساء اليمنيات لفض النزاعات المحلية وداخل وبين مجتمعاتهن، بما في ذلك إطلاق سراح المحتجزين وفتح الممرات الإنسانية ووقف تجنيد الأطفال من قبل الجهات المسلحة. للقيام بذلك، غالبًا ما تستغل النساء المبادئ القبلية اليمنية كاحترام ووحماية المرأة والسكان العزل وهي من القيم التي لا تزال راسخة في جميع أنحاء البلاد. ووفقًا لهذه القيم، يتم تصنيف النساء على أنهن "ضعيفات"، بمعنى أنهن عُزَّل، ومن المفارقات أن تمنحهن هذه الصورة النمطية درجة من الحماية تمكهن من التنقل بسهولة أكبر داخل مناطق النزاع والخروج منها دون استهدافهن، ما يسهّل جهودهن في عمليات الوساطة. وقد أسفرت هذه الجهود عن العديد من النجاحات، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأسرى الحرب، وإعادة فتح الطرق حول مدينة تعز، وهي الإجراءات التي أصبحت في الواقع من الإجراءات الأممية المركزية لبناء الثقة.

التفاوض على الوصول إلى الموارد الطبيعية

على مدى سبع سنوات، أدى الصراع الدائر في مدينة تعز وإغلاق الطرق الرئيسية داخل المدينة وخارجها إلى حرمان السكان من إمدادات المياه الكافية. بالإضافة إلى ذلك، وقعت تسعة خزانات مياه داخل المدينة تحت سيطرة القوات الموالية للحكومة اليمنية، التي كانت تقوم ببيع المياه وتستخدم الإيرادات لتغطية التكاليف الإدارية. وفي ظل عدم قدرتها على مواجهة الجيش، قطعت هيئة المياه في تعز إمدادات المياه، مما يعني أن السكان في ثلاث مناطق كانوا بدون مياه. فكان على النساء والفتيات والفتيان قطع مسافات طويلة على الطرق غير الآمنة لجلب المياه، مما كان يعرضهن لخطر الاعتداء الجنسي وهجوم القناصة.

لمعالجة هذه القضية، قامت عُلا الأغبري، إحدى قيادات المجتمع المدني اليمنية الشابة التي ترأس مؤسسة شباب سبأ للتنمية، بشخصيات محلية مؤثرة وقادة الأحزاب السياسية في تعز وطلبت منهم الانضمام إلى تحالف محلي للتوسط مع قوات التحالف من أجل وصول المدنيين إلى خزانات المياه.  وتمكنت من الحصول على موافقتهم بسبب سجل العمل الإنساني الذي قامت به منظمتها.

"اتصلنا بالسيد المحافظ لطلب دعمه، ووافق لأنه قال إن [المنظمة التي أسسْتُها] عملت بجد في المدينة لتحسين حياة السكان. لذلك كانت سمعتي وعلاقاتي الحالية مهمة حقًّا، لأن الناس وثقوا بي وبمؤسستي؛ وكانوا يعرفون أننا محايدون وأننا نعمل من أجل المجتمع." تقول عُلا.

وبالإضافة إلى الحصول على دعم المحافظ، أقنعت الوسيطة مجموعة من قادة المجتمع بالانضمام إلى لجنة الوساطة، حيث تم اختيار كل منهم وفقًا لمركزه ونفوذه. وشمل ذلك زعيم قبلي بارز، وممثل عن السلطة المحلية، وممثل عن الغرفة التجارية، ووسيطة ومحامية محلية، ورسامة كاريكاتورية محلية تحظى باحترام كبير.  وقد اجتمعوا في ورشة عمل نظمتها المنظمة التي تديرها الوسيطة بهدف وضع استراتيجية مشتركة للتفاوض. وتواصلت لجنة الوساطة مع القادة العسكريين لقوات التحالف وطالبت بالسماح للمدنيين بالوصول إلى خزانات المياه التسعة حتى يتمكن سكان تعز (وليس فقط الجهات المسلحة) من الاستفادة من المياه. وأوضحت:

"في الاستقبال الأول، لم يتقبلوا فكرة أن أتفاوض معهن كامرأة، لكن عندما رأوا جميع القادة المحليين في المدينة في التحالف، وجميع رجال الدين والسلطات المحلية في المدينة، وافقوا على التحدث. وبعد بعض المقاومة، بحلول نهاية المفاوضات وافقوا على تسليم جميع الآبار التسعة. أعددنا اتفاقًا مكتوبًا لكل بئر، وقّعه الجميع، والقادة العسكريون وأعضاء اللجنة."

واتفق القادة العسكريون على تسليم خزانات المياه التسعة لمكتب وزارة المياه والبيئة في مدينة تعز. وحتى الآن، تم توقيع اتفاقيات لستة من آبار المياه التسعة، أحدها الآن رسميًا تحت سيطرة وزارة المياه والبيئة.

التوسط في النزاعات ووقف إطلاق النار

قد يمنح شغل منصب رسمي المرأة أيضًا تفويضًا للتوسط في النزاعات. فعلى سبيل المثال، تولت امرأة تم انتخابها لعضوية لجنة مجتمعية في تعز مسؤولية التوسط في النزاعات المتعلقة بوصول المرأة إلى الموارد والميراث، حيث كان بإمكانها التواصل بسهولة مع المتنازعات أكثر من زملائها الذكور. كما أشارت وسيطة أخرى في تعز إلى أنه منذ عام 2015 تم تشكيل لجان محلية لحل الخلافات في ظل غياب السلطات الفعالة، ومن خلال موقعها في أحد هذه المجالس تمكنت من المساهمة في فتح معبر حدودي يقع في خط المواجهة.

كما لعبت المرأة اليمنية أدوارًا مهمة في منع وحل النزاعات بين الحكومة والقبائل، وتجنب الصراع بين القبائل ذات النفوذ. فعلى سبيل المثال، عنما اندلع نزاع بين أفراد قبيلتين مختلفتين في محافظة حَجّة حول ملكية أحد الأراضي وتصاعد الخلاف ليتحول إلى معركة مسلحة كاملة بين القبيلتين أسفرت عن مقتل أكثر من 60 شخصًا. وتمكنت إحدى النساء الوسيطات من إقناع زعماء القبيلتين بجمع مجموعة من الرجال ليقوموا بالتخييم في الأرض المتنازع عليها حتى يتم الوصول إلى حل.

في مأرب، شرق صنعاء، ظهرت العديد من القصص عن نساء يخزين الرجال المسلحين علنًا لمطالبتهم بوقف القتال والوفاء بمسؤوليات الحماية الموكلة إليهم، وفي بعض الحالات ينفذن ذلك من خلال إجراءات عامة رمزية للغاية مثل حلق شعرهن. وفي إحدى الحالات، تفاوضت مجموعة من النساء الوسيطات المدرَّبات على وقف إطلاق النار بين قبيلتين من خلال "البقاء تحت أشعة الشمس ورفض دعوات الضيافة من زعماء القبائل حتى يتم قبول دعوتهن لوقف إطلاق النار". وعلى نحوٍ مماثل، استخدمت النساء في منطقة أرحب في اليمن الأعراف القبلية المتعلقة بالحماية لمنع قوات أنصار الله من حرق معدات البناء والجرارات القيمة التابعة لمسؤولين من حزب الإصلاح السياسي، حيث صعدنّ إلى المعدات وأعلنّ أن المعدات توفر الدخل لأسرهن وبالتالي لا يمكن تدميرها، وهو المطلب الذي تم احترامه.

هذه ليست سوى أمثلة قليلة على كيفية تعامل النساء اليمنيات مع الأعراف الاجتماعية والقبلية للتوسط في فض صراعات مجتمعاتهن. يسلط تقريرنا الجديد الضوء على أدوار الوساطة الأخرى التي لعبتها المرأة اليمنية منذ بداية النزاع والطرق التي تمكنها من دعم السلام الشامل والدائم في اليمن.