التكتل النسائي الذي ردم الخلافات لبناء السلام في سوريا
التاريخ:
احتفالًا بالذكرى السنوية الثانية والعشرين لقرار مجلس الأمن التاريخي رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، تسلط هيئة الأمم المتحدة للمرأة الضوء على نساء بارزات سعينَ إلى تحقيق الوحدة والسلام رغم الصعاب. إحدى هذه المجموعات هو المجلس الاستشاري للمرأة السورية، وهو هيئة فريدة مكونة من 15 امرأة تغلبن على انقساماتهن السياسية والجغرافية في سعيهن لتحقيق سلام دائم وشامل في سوريا. يقدم المجلس الاستشاري المشورة للمبعوث الخاص للأمين العام لسوريا غير بيدرسن ونائبته نجاة رشدي بشأن العملية السياسية في سوريا.
منذ بداية الصراع في سوريا، لعبت النساء والمنظمات النسوية والنسائية أدوارًا فعالة في إعادة بناء السلام والتماسك في مجتمعاتهن. إذ قُدْنَ الحركات السياسية والسلمية، ونَسَقْنَ المبادرات الإنسانية والإغاثية، وأَمِنَّ فرص الوصول إلى التعليم، و شَارَكْنَ في الحكم المحلي، ووَفَرْنَ فرص كسب العيش للمحتاجين والمحتاجات. من خلال التعامل بمهارة مع الأعراف الاجتماعية والحساسيات السياسية والمخاطر الأمنية، توسطت النساء السوريات أيضًا في وقف إطلاق النار وفي إطلاق سراح المحتجزين، وأَمِنَّ الوصول إلى المساعدات الإنسانية. وتكتسي هذه المساهمات الحيوية أهمية كبيرة نظرًا للقيود المفروضة على مشاركة المرأة العامة والمجتمعية.
أول مجلس استشاري نسائي لمبعوث أممي خاص:
على الرغم من مساهماتها التي لا حصر لها في إرساء السلم والأمن في مجتمعاتها، فإن مشاركة المرأة السورية المباشرة في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة والتي بدأت في عام 2012 بقيت مقيدة. ففي عام 2014، لم تكن هناك امرأة واحدة حاضرة على طاولة المفاوضات في جنيف.
بعد سنوات من الجهود والدعوة الحثيثة التي بذلتها ناشطات حقوقيات من أجل حصول المرأة على دور مباشر وهادف في محادثات السلام، اشترك مكتب المبعوث الخاص للأمين العام في سوريا مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة لإنشاء المجلس الاستشاري للمرأة السورية في عام 2016. ولم يكن الهيكل الأول في سياق العملية السياسية السورية الذي جمع نساء من مختلف التوجهات السياسية فحسب، بل كان أيضًا أول مجلس استشاري نسائي يتم إنشاؤه من قبل مبعوث خاص للأمم المتحدة.
تقول الدكتورة ندى أسود، رئيسة المجلس الحالية أن "المجلس الاستشاري النسائي هو في الحقيقة مساحة سورية صدى صوتها دولي تسمح لكل السوريات من كل الجغرافيات ومختلف التوجهات السياسية والايديولوجية، مهما تباينت، بالتفاوض حول القضايا ذات الصلة بالحل السياسي في سوريا وتقديم استشارة واقعية للمبعوث الأممي من وجهة نظر نساء متصلات بالأرض ويناضلن من أجل الحل العادل وحقوق النساء وسيادة العدالة والقانون، وربما يصح القول أن للمجلس دور وساطة متعددة المستويات."
يتألف المجلس الآن من 15 امرأة من اتجهات اتجاهات سياسية واجتماعية مختلفة من جميع أنحاء سوريا، ويقدم المشورة السياسية بشأن جميع جوانب عملية السلام وحول وضع السوريين، داخل البلاد وخارجها، من منظور النوع الاجتماعي. وللقيام بذلك، يجتمع المجلس الاستشاري والمبعوث الخاص ونائبه بانتظام أثناء المحادثات الرسمية وفيما بينها. خلال هذه المشاورات، يثير المجلس قضايا مفقودة من جدول الأعمال، ويعالج نقاط الخلاف الرئيسية ويقدم حلولًا لها، ويقترح وجهات نظر مستجيبة للنوع الاجتماعي، ويحيل خبرات المجتمع المدني ذات الصلة، ويقدم توصيات للمساعدة في دفع محادثات السلام قدماً. ومنذ عام 2016، برزت تحليلات المجلس ومشورته بشكل بارز في الاجتماعات رفيعة المستوى للمبعوث الخاص، وفي جميع الإحاطات التي قدمها لمجلس الأمن تقريبًا، سلط المبعوث الأممي الضوء على أهمية المشورة السياسية التي يقدمها المجلس لجهود الوساطة التي يبذلها.
رأب الخلافات سعياً إلى السلام:
ولانحدارهن من توجهات سياسية ومناطق جغرافية ومجتمعات مختلفة،تواصل عضوات المجلس الاستشاري معالجة اختلافاتهن. وقد أتاح العمل معًا فرصة "لإزالة الغموض عن بعضهن البعض"، وسرعان ما أدركن أنهن كائتلاف لديهن القدرة على المساعدة في فهم الديناميكيات المعقدة التي ظهرت في جميع أنحاء البلاد واقتراح حلول لمعالجتها. وبفضل معرفتهن العميقة بالمجتمعات والأحزاب المحلية واتصالهن بها، تقدم عضوات المجلس المشورة للمبعوث الخاص في سعيه للتواصل مع مختلف الأطراف والجهات الفاعلة للتوصل إلى مواقف مشتركة.
"أعتقد أن المجلس الاستشاري يحظى الآن باحترام غالبية الأطراف المشاركة في محادثات سوريا. قدم المجلس [للمبعوث الخاص] مقترحات فريدة، مما يثبت فهم المجلس لوجهات نظر المرأة السورية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المجلس هو الهيئة الوحيدة التي تجمع بين نساء سوريات من خلفيات مختلفة يتشاركن هدفًا واحدًا، وهو إنهاء النزاع المسلح وبناء مستقبل أفضل." تقول سوسن زكزك، العضوة المؤسسة في المجلس.
الدعوة إلى السلام الشامل:
لقد كان للمجلس الاستشاري دور أساسي في المناصرة والدعوة إلى سلام شامل في سوريا. فمنذ عام 2017، شارك المجلس في مؤتمر بروكسل السنوي حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة وأطلعَ ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية/ نائب رئيس المفوضية الأوروبية بانتظام على الوضع في سوريا وكيفية تأثيره على النساء والفتيات، وكذلك على الطرق التي يمكن للمرأة السورية من خلالها أن تساهم في صنع السلام. عامًا بعد عام، ظهرت أفكار المجلس الاستشاري حول كيفية تعزيز المشاركة الهادفة للمرأة والتأكد من أن تكون أجندة حقوق المرأة في صلب العملية السياسية في إعلانات نتائج المؤتمر.
وفي السنوات الأخيرة، سلط أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الضوء أيضًا على أهمية المجلس الاستشاري. فعلى سبيل المثال، رحب ممثل أيرلندا لدى مجلس الأمن بـ " مشاورات السيد بيدرسن المستمرة مع المجلس الاستشاري للمرأة. من الضروري أن يكون لدى اللجنة [الدستورية] فهم واضح لآثار الوضع الحالي على المرأة".
كما تستشهد مجموعة أدوات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن "دمج المرأة وعمليات السلام الفعالة" أيضًا بالمجلس الاستشاري للمرأة السورية باعتباره ممارسة جيدة ويُوصي الوسطاء بالنظر في "إنشاء مجالس استشارية تقدم وجهات نظر إضافية حول القضايا قيد المناقشة وتقديم توصيات بشأن العملية السياسية "مع ضمان أن يكون أي مجلس من هذا القبيل مكملاً للجهود الأخرى الرامية إلى زيادة مشاركة المرأة الهادفة. وبالفعل، أَلْهَمَ المجلس الاستشاري للمرأة السورية أيضًا إنشاء هياكل استشارية أخرى في المنطقة وخارجها، بما في ذلك المجموعة النسوية اليمنية الاستشارية المختصة والمجموعة الاستشارية النسائية في العراق.
رفع صوت المرأة في العملية السياسية:
"في سوريا، لا تزال المرأة مرتبطة بالأسرة والمجال المنزلي"، تقول أسماء كفتارو عضوة المجلس الاستشاري النسائي والمفكرة الإسلامية النسوية. "لكن عندما يبدأ الصراع، يزداد الإقصاء سوءًا. ويعزون هذا الاستبعاد دائمًا إلى التراث والدين. بينما كمسلمة، أرى أنه جزء من تراثي وديني أن تكون المرأة شريكة على قدم المساواة."
على الرغم من دعوات المجلس المستمرة لمشاركة المرأة المباشرة بنسبة 30 في المائة على الأقل في جميع هياكل صنع القرار في العملية السياسية وصولاً إلى التناصف، ظلت المرأة السورية ممثلةً تمثيلاً ناقصًا في العملية التي تيسرها الأمم المتحدة، حيث شكلن 15 في المائة فقط من وفود المعارضة والحكومة في المحادثات السورية-السورية في ديسمبر/ كانون الأول 2017 في جنيف.
ولكن في عام 2019، شهد تمثيل المرأة السورية انفراجة مع تعيين ما يقرب من 30 في المائة من النساء في اللجنة الدستورية السورية، وهي منصة رئيسية للعملية السياسية يقودها السوريون وتُيسرها الأمم المتحدة لتحقيق سلام حقيقي ودائم. تمثل هذه المشاركة أكبر عدد من النساء في أي مفاوضات سلام في الشرق الأوسط، وتوفر فرصة حقيقية للنساء السوريات للمساهمة في جهود إعادة السلام إلى بلدهن. وقد لعب المجلس الاستشاري دورًا أساسيًا في تمهيد الطريق لتحقيق هذا الإنجاز، كما أصبحت بعض عضواته عضوات في اللجنة الدستورية وهما السيدة رئيفة سميع والسيدة صباح حلاق. ولدرايته بأهمية مشاركة المجتمع المدني في العملية السياسية، كان المجلس الاستشاري من أوائل الجهات التي دعت إلى تأسيس وفد ثالث إلى اللجنة الدستورية يمثل مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. ومنذ بداية عمل اللجنة لوضع دستور جديد للبلاد، دعم المجلس الاستشاري بعض أعضائه فنياً لضمان تكريس الدستور المستقبلي لحقوق المرأة.
تعميق الجذور في المجتمعات المحلية:
ولتجذير عمل المجلس بشكل أعمق في المجتمعات المحلية والمتنوعة في سوريا، قام المجلس بتوسيع عضويته لتمثيل أكبر للمجتمعات المحلية، ويتواصل على نحو أكثر فاعلية مع المجتمعات المحلية ويشاركها المعلومات حول العملية السياسية. كما يعمل المجلس على زيادة السبل أمام المجتمع المدني للمشاركة بشكل أكبر مع القيادات النسائية السورية والتأثير على العملية السياسية.
وتقول الدكتورة ندى أسود،: "إن دعم المجتمع الدولي للمجتمع المدني السوري ضروري". ووفقًا لها، فإن هذا الدعم "سيعطي بعض الأمل لجميع الأصوات التي تحتاج أن نستمع إليها".
لا بديل عن المشاركة المباشرة للمرأة
منذ إنشائه، رافق المجلس الاستشاري للمرأة السورية وأثر على المراحل المختلفة للعملية السياسية، بما في ذلك مؤتمرات فيينا، وتطوير المبادئ الاثني عشر الحية السورية-السورية الأساسية للتسوية السياسية وتشكيل اللجنة الدستورية. وبالفعل، قطع المجلس أشواطاً طويلة في سعيه إلى إعلاء أصوات النساء وتوجيه مخاوفهن وتطلعاتهن إلى جهود الوساطة، ولكنه ليس بديلاً عن مساهمة المرأة المباشرة في عملية السلام في سوريا.
يعد المجلس الاستشاري للمرأة السورية آلية رائدة لمساهمة المرأة في العملية السلمية. وتقول رجاء التلي، عضوة في المجلس، "إنه ليس كل ما نريده ، لكنه خطوة إلى الأمام. إنه لأمر رائع أن يكون لدينا قرار مجلس الأمن رقم 1325 وغيره من [الاتفاقيات الدولية] التي تعزز مشاركة المرأة في عمليات السلام ، ولكن لا ينبغي أن نخوض معركة في كل مرة للحصول على حصة للمرأة أو على مشاركة ذات مغزى لها في عمليات السلام."
منذ تأسيسه في عام 2016، استفاد المجلس الاستشاري للمرأة السورية من دعم راسخ لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالشراكة مع مكتب المبعوث الخاص إلى سوريا لتعزيز مساهماته في العملية السياسية. وقد سمح ذلك للمجلس بمد الجسور بين مختلف النساء السوريات والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد والعملية السياسية. لم يكن هذا ممكناً لولا دعم شركاء هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بما في ذلك حكومات فنلندا والنرويج وهولندا والاتحاد الأوروبي.