على لسان جفرا ناصر: "العمل وتربية أطفالي بمفردي في غزة كان شاقًا، لكن لا يمكن وصف صعوبة القيام بذلك تحت القصف"

التاريخ:

الدمار في غزة في أعقاب الغارة الإسرائيلية في آيار/ مايو 2021. تصوير: محمد لبد/مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

تعيش جفرا ناصر والتي تبلغ من العمر 28 عامًا مع ابنتها ألين، ثلاث سنوات، وابنها عمر الذي يبلغ سنتين، في بلدة بيت حانون شمال غزة. تحمل جفرا إجازة في التمريض وتعمل في وزارة الصحة. بسبب عدم تمكنه من العثور على وظيفة في القطاع، غادر زوجها الطبيب إلى ألمانيا منذ ثلاث سنوات حيث يتلقى تدريبًا ويكتسب الخبرات في مستشفى هناك على أمل العثور على وظيفة حتى يتمكن من تقديم طلب لم شمل الأسرة قريبًا. إلا أن بسبب القيود التي فرضها كوفيد-19، لم يتمكن من العودة لرؤية أسرته.

نتج عن القصف الإسرائيلي الأخير لبيت حانون دمار هائل في البنية التحتية والمنازل، وتشريد سكانها، ومقتل وإصابة العديد من المدنيين والمدنييات. تمكنت جفرا من الفرار مع أطفالها الصغار إلى بلدة بيت لاهيا القريبة حيث يعيش والداها. كانت محظوظة للعثور على مأوى. فوفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حتى 20 مايو/أيار، أدت أعمال العنف في غزة إلى نزوح أكثر من 75000 مدني ومدنية حتى الآن. لجأ حوالي 47000 منهم إلى مدارس في جميع أنحاء القطاع المحاصر، مما أثار مخاوف بشأن انتقال فيروس كوفيد-19 في الملاجئ المزدحمة.

"منذ أن غادر زوجي إلى ألمانيا، لم تكن حياتي سهلة. كانت تربية طفلي الصغيرين بمفردي في غزة في أثناء العمل بدوام كامل أمرًا مرهقًا للغاية. لكن هذه التحديات تتضاءل مقارنة بكونك أمًا خلال الحرب. منذ أن بدأت الضربات الإسرائيلية على أحيائنا، يهدأ الوضع نهارًا ويزداد حدةً في الليل. في المتوسط، ننعم بالكهرباء لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات فقط في اليوم. إنه لأمر مرعب أن يعيش المرء تحت القصف في ظلام دامس.

في الليلة التي تصاعد فيها القصف، تجمعت نساء وأطفال بنايتنا في شقة منخفضة اعتقدنا أنها أكثر أمانًا بينما كان جميع الرجال في الشقة أعلاه. بدأت أصوات التفجيرات التي تصم الآذان تقترب أكثر فأكثر. كان الأطفال خائفون ويتشبثون بأمهاتهم. حوالي الساعة 3:00 صباحًا، قُصف مبنى قريب منا. بدأنا بالصراخ والبكاء. كنا نشعر برعب شديد. نظرنا إلى الخارج، وكان هناك الكثير من الناس يفرون من المنازل. قررنا الهرب قبل فوات الأوان. أمسك كل بالغ بطفل وحقيبة من الضروريات الأساسية للأطفال والإسعافات الأولية التي قمنا بحزمها مسبقًا وتركناها عند الباب. فقد تعلمنا من الحروب السابقة مدى أهمية هذه الأشياء الصغيرة. ركضنا في الشوارع نتفادى القصف. كان الدمار في كل مكان. لم يتم إخطار العديد من العائلات أو لم يتمكنوا من مغادرة منزلهم في الوقت المناسب وانتهوا تحت الأنقاض.

مشينا لمدة نصف ساعة في الظلام. عندما ابتعدنا عن بؤر التوتر، فتحت عائلة بابها ودعتنا للاحتماء في منزلها حتى الفجر. عندما طلع الفجر، اتصلت بأسرتي وطلبت منهم مقابلتي في منتصف الطريق. كانوا قد تهجروا إلى منزل خالي أيضًا. الآن، ننام جميعًا هناك. تعيش أختي التي تحتاج إلى كرسي متحرك مع والديّ ونُبقي دائمًا سيارة قريبة في حال اضطررنا إلى الهرب.

لم أشعر يومًا بالرعب الذي انتابني تلك الليلة. لا يمكن وصفه. لم أستطع التوقف عن النحيب والارتجاف. كان الناس يطلبون مني أن أتمالك أعصابي وأن أكون قوية من أجل أطفالي. لكنني لم أستطع. لقد عشت ثلاث حروب. لكن لا شيء يضاهي تحمل الحرب كأم تريد حماية أطفالها. أشعر بأنني محطمة نفسيًا وغير قادرة على تحمل مسؤولية حماية أطفالي من العنف.

نسمع كل يوم عن وقف لإطلاق النار غدًا ونحن لا ندري إن كنا سنبقى على قيد الحياة في الساعة القادمة. كل صباح نتساءل عما إذا كنا سنعيش حتى نهاية اليوم.

النظام الصحي ينهار، ومن المفترض أن أذهب إلى العمل للحد من هذا العبء. لكن لا يمكنني ترك أطفالي. اتصلت بزملائي وزميلاتي وأخبرتهم أنه إذا كانوا في حاجة ماسة إلي، فسوف آخذ أطفالي معي. لا يمكنني تركهم في هذا الوضع المضطرب. إنهم خائفون باستمرار وملتصقون بي الآن. لا يمكنهم الذهاب إلى الحمام بمفردهم أو النوم في غرفة أخرى بعد الآن. أبذل قصارى جهدي في محاولة استرجاع الشعور بالطمأنينة والأمان. ما زلت أقول لهم إن الضربات تبدو قريبة، لكنها بعيدة في الواقع.

 كل ما أريده الآن هو أن ينجو أطفالي من الحرب هذه دون التعرض لصدمات نفسية تترك أثرها مدى الحياة. لقد حان الوقت لأن نتجاوز هذا العنف والرعب والدمار ونترك الحس الإنساني يسود. كل مرة أرى فيها أطفالًا سعداء على شاشة التلفزيون، أقول لنفسي أن هذه هي الحياة التي أريدها لأولادي. بمجرد توقف الحرب، أتمنى أن يتم لم شمل أسرتي من جديد.