من موقعي هذا: "لأني سائقة سيارة أجرة، كان الركاب من الرجال والنساء يقولون لي أن هذه وظيفة مخصصة للرجال، فأجيبهم: هذه وظيفة، فحسب."

التاريخ:

غالباً ما نجد غولدا أبو نعوم، 50 عامًا - وهي مقاتلة سابقة خلال الحرب الأهلية اللبنانية - في شوارع بيروت، لبنان، تقود سيارة الأجرة التي تملكها. أيقظ انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 عند حدوثه مشاكل نفسية طويلة الأمد، عند غولدا، بالإضافة إلى أفكار انتحارية في بعض الأحيان. بعد المشاركة في سلسلة من جلسات الدعم التي وفرها مركز "ريستارت" لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف، والتي تم تنفيذها بالشراكة مع "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، استعادت غولدا الثقة وبدأت السعي وراء فرص جديدة.

غولدا أبو نعوم، سائقة تاكسي في بيروت، لبنان. الصورة: هيئة الامم المتحدة للمرأة/دار المصور

Quote

انتهت الحرب الأهلية في لبنان منذ 31 عاماً ، لكن ندوبها النفسية لا تزال حية بداخلي. كانت عائلتي منتسبة لأحد الأحزاب السياسية وفي أثناء الحرب التحقتُ بجناحه المسلح كمقاتلة. في عام 1985 التحق شقيقي بالجيش اللبناني ولكن بعد عام تم اختطافه ثم اعتقاله لمدة 11 عاماً. لقد ظل اختفاؤه يطاردني ويطارد عائلتي لسنوات.

في كانون الأول/ديسمبر 1996، قبيل عيد الميلاد، تلقينا نبأ إطلاق سراحه. ما زلت أشعر بالقشعريرة عندما أتذكر اللحظة حين رأيت أخي يقف أمامي. على رغم إطلاق سراحه، عاد مصاباً بمرض خطير ولم يتعافَ تماماً.

عندما هزّ انفجار 4 آب/أغسطس بيروت، تحطّم زجاج منزلي في برج حمود – وهي تبعد 3.6 كم عن المرفأ - وغمرت مياه الصرف بيتي، لكن لحسن الحظ، لم يصب زوجي وأولادي بأذى.

في اليوم التالي، انضممت إلى متطوعين ومتطوعات كانوا ينظفون الركام والأنقاض من جراء الانفجار. في منطقة مار مخايل، لاحظت خيم الطوارئ التي أقامها مركز "ريستارت" والتي كانت تقدم الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا الانفجار. بالنسبة للكثيرات منّا اللواتي عانين بالفعل من صدمة الحرب، أثّر انفجار بيروت علينا بشدة. وفي واقع الأمر، قمت بالتسجيل للمشاركة في الجلسات النفسيّة والاجتماعيّة على أمل أن تساعدني.

بالإضافة إلى انفجار بيروت، ومثل العديد من اللبنانيين واللبنانيات الآخرين، أثرت الأزمة الاقتصادية والإغلاق بسبب فيروس كوفيد-19 على أسرتي بشدة. مع ارتفاع الأسعار، انخفضت المبيعات في متجر البقالة الذي يملكه زوجي. كنا نعاني كثيرا لتغطية نفقاتنا. لقد صرفت أيامي طوال العام الماضي قلقة حول كيفية إعالة أسرتي، وتحديداً ابنتيّ البالغتين من العمر 12 و14 عاماً بالإضافة إلى ابني الذي يبلغ من العمر 19 عاماً. أحياناً فكّرت بالموت. أردت فقط أن أنام ولا أستيقظ أبداً. خشيت ألا نقدر على تأمين الطعام حتى. كنت أعرف أنه انبغى لي العمل، ولكني كنت أحتاج إلى وظيفة ذات ساعات عمل مرنة لكي أتمكن من رعاية أسرتي.

جعلني الدعم النفسي الذي قدمه مركز "ريستارت" أدرك أن حياتي لم تنته وساعدني على استعادة الحافز الذي اعتقدت أنه ضاع.

خلال الجلسات خطرت لي فكرة أن أصبح سائقة سيارة أجرة. كانت الأخصائية النفسية تسألني عن هواياتي واهتماماتي، والحال أن القيادة هي من هوايتي. نظراً لأنني املك سيارة بالفعل، كان عليّ فقط استئجار لوحة سيارة أجرة لتحويلها إلى العمل التجاري.

لم يكن الأمر سهلاً في البداية. بعض الناس تجنبت ركوب سيارة الأجرة الخاصة بي، فقط لأني امرأة، وكان ذلك يجعلني أشعر بالحرج. كان العديد من سائقي سيارات الأجرة الذكور يصرخون بي ويقولون: "هذه وظيفة مخصصة للرجال."كدتُ أستسلم، لكن ابنة عمي ذكرتني أنه ليس ثمة داع للحرج، وأن قيادة سيارة أجرة هي وظيفة للمرأة أيضاً. ساعدتني كلماتها على الاستمرار.

حتى يومنا هذا، ما زلت اتعرض للاستجواب من قبل الكثيرين. يقول لي بعض الركاب، رجالاً ونساءً، أن هذه وظيفة للرجال، وأنا أجيب: هذه وظيفة، فقط. الآن، بتّ أعتقد أن لي الحق في اختيار الوظيفة التي أريدها، أياً كان ما يقوله لي الناس".

غولدا أبو نعوم هي واحدة من بين 129 امرأة من عائلات المفقودين خلال الحرب الأهلية اللبنانية اللواتي تم دعمهن بالرعاية الصحية النفسية والاجتماعية والعقلية من خلال مشروع "التعامل مع الماضي" الذي يوفره مركز "ريستارت" لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف بالشراكة مع "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" وبدعم سخي من "صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام".