عاملات المنازل المهاجرات في لبنان يواجهن تحديات متزايدة في وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية

التاريخ:

آن، عاملة مهاجرة تقيم في بيروت. حقوق الصورة محفوظة لشانتال سلامة/ متطوعة في "حملة مناهضة العنصرية"

في سياق تحديات جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية المستمرة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في لبنان  فباتت بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.  أُلقيت عاملات منازل مهاجرات كثيرات في البلاد في مرمى الأزمات المتعددة ووضعن تحت رحمة نظام الكفالة القمعي،  وصار العديد منهن في وضع معيشي صعب.

بحثًا عن حياة أفضل، قدِمَت آن*، وهي مواطنة من بنين، إلى لبنان بمساعدة وكالة توظيف. لسوء الحظ، تعرّضت لسوء المعاملة في سياق وظيفتها الأولى كعاملة منزلية، وأجبرت على تحمّل التحرش الجنسي واللفظي الذي مارسه رجال أقاموا في المنزل. في ظل عدم قدرتها على الاستمرار في ظروف مماثلة هربت آن وعادت إلى بنين. ومع احتفاظها بالأمل، عادت آن إلى بيروت بعد فترة وجيزة، وبدّلت أرباب عملها مرات عدة قبل أن تجد أخيرًا صاحبة عمل  تصرّفت معها بإنصاف.

 خلال إجازتها، كانت آن تزور وعلى نحو متكرر، مركزًا اجتماعياً تديره "حركة مناهضة العنصرية"، وهي منظمة لبنانية غير حكومية -  وإحدى شريكات "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" -  تعمل في مجال مكافحة التمييز والانتهاكات العنصرية في بيروت. تم تصميم  هذا المركز، وهو واحد من مراكز عدة، كمكان للتواصل وبناء المجتمع بعيدًا عن المنزل. بالنسبة لآن، كان المركز مساحة لتحسين الذات والتواصل مع أصدقائها. تتذكر آن "تلقيتُ دروسًا في اللغة الإنكليزية وكنا نذهب في رحلات. كنتُ أحبّ ذلك كثيراً خصوصاً في فترة عيد الميلاد".

تهدف مراكز "حملة مناهضة العنصرية" أيضاً إلى أن تكون مساحة للعاملات المهاجرات للالتقاء والدعوة إلى إلغاء نظام الكفالة السيء السمعة. لطالما استنكرت جماعات حقوق الإنسان نظام الكفالة الذي ينظّم عمل وإقامة 250.000 إلى 300.000 عاملة منزلية في لبنان، باعتباره نظامًا يسمح لأصحاب العمل باستغلال العاملات والإساءة إليهن.

يستثني قانون العمل اللبناني عاملات المنازل المهاجرات. والحال ان العاملة المنزلية تحتاج إلى موافقة صاحب العمل في حال رغبت في تغيير صاحب العمل. إن ترك العمل دون موافقة صاحب العمل يعرّض العاملة المنزلية لمخاطر عدة، منها التوقيف والترحيل. العاملات اللواتي يحاولن الهرب يتعرّضن لخطر الاعتقال في سجون مكتظة، حيث ثمة معدلات مرتفعة من الإصابة بكوفيد-19.

كما أدت الأزمة الاقتصادية والقيود التي يفرضها نظام الكفالة إلى فقدان العديد من عاملات المنازل في لبنان وظائفهن، وتركهن بلا مأوى، وإلى عدم قدرتهن على تغطية نفقات المعيشة اليومية، فضلاً عن عدم قدرتهن على تغطية تكاليف سفرهن إذا رغبن في العودة إلى بلادهن. أما العاملات اللواتي ما يزلن في وظائفهن، فقد أدى الإقفال بسبب الوباء إلى  توفر فترات قليلة من العطل  خارج منازل أصحاب العمل، بعيدًا عن بيئة العمل.

" تقول رايتشل دور-ويكس، رئيسة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في لبنان "إن عمل عاملات المنازل - الذي يتميز بالأجور المنخفضة وساعات العمل الطويلة - يميل إلى أن يكون غير مرئي، ويتم احتواؤه في عالم الأسرة "الخاص"، مما يترك عاملات المنازل غالبًا في طي النسيان، في سياق دعواتنا للمساواة." تضيف دور-ويكس "في بعض الأحيان  تكون هذه العثرة ملائمة للغاية،  ذلك ان عملهن هو ما يمكّن النساء الأخريات من  تحقيق ما يُعد مستحيلاً  وفق تحديدات المجتمعات الأبوية، وهذا يسمح بالحفاظ على الوهم القائل بأن النساء في وسعهن  "القيام بكل شيء" و"الحصول على كل شيء" أي الوظيفة، والمنزل والأطفال. بدلاً من إعادة التفاوض مع الأنظمة الأبوية القائمة والمُطالبة بالمزيد من شركائنا، نستعين بمصادر خارجية لإنجاز العمل من خلال عاملات المنازل ونَغضّ النظر عن الانتهاكات المتصلة بالعمل أو نبرّرها. لم يعد بإمكاننا السماح بذلك".

قبل الإقفال الكامل في أوائل السنة الماضية، علمت آن أن والدتها مريضة واستعدت للسفر إلى بلادها. لسوء الحظ،  عندما تمكنت من العودة إلى بنين، كانت والدتها قد توفّت. بعد الجنازة، حثتها صاحبة عملها على الإسراع بالعودة قبل بدء الإقفال. عادت آن، لتكتشف أن صاحبة العمل كانت في السودان وغير قادرة على العودة إلى لبنان في الوقت المناسب قبل تطبيق الإقفال. بعد أشهر عدة، أبلغت آن أنها ستنتقل إلى الولايات المتحدة، على نحو دائم، وبالتالي أنهت عقد عملها.

 فيما كانت آن لا تزال حزينة على والدتها، وجدت نفسها عاطلة عن العمل في خضم إقفال عام، وكان عليها البحث عن مكان تقيم فيه ولم تعرف كيف السبيل إلى إعالة نفسها. استطاعت استئجار شقة متواضعة، ولكن مع ارتفاع التضخم، سرعان ما باتت عاجزة عن تغطية تكاليف شراء المواد الأساسية مثل الزيت والطعام. في بداية الإقفال، اضطرت المراكز المجتمعية التابعة  لـ  "حملة مناهضة العنصرية"، إلى الإغلاق في حين كانت إلى الآن  بالنسبة لآن مصدر العزاء والدعم الوحيد ، فوجدت نفسها معزولة تمامًا.

لم يكن وضع آن إستثناءً في كل  الأحوال. في ظل وجود عدد كبير من النساء في المجتمع يكافحن من أجل تأمين الطعام ويحتجن على نحو عاجل إلى الدعم، بدأت "حركة مناهضة العنصرية" بالتحرك بسرعة في توزيع الطعام على العمال والعاملات المهاجرين والمهاجرات في بيروت.  بدعم من مشروع هيئة الأمم المتحدة للمرأة "تعزيز المساعدة القانونية والوصول إلى العدالة في لبنان - البرنامج العالمي لتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان من أجل الحفاظ على السلام وتعزيز التنمية"، بتمويل من حكومة هولندا من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبالشراكة مع مؤسسة "كفينا تل كفينا"، أطلقت "حركة مناهضة العنصرية" خطًا ساخنًا للعمال والعاملات المهاجرين والمهاجرات الأكثر ضعفاً لكي يقوموا بالاتصال والتسجيل للحصول على الدعم ومن ثم على سلات غذائية تتضمن الزيت والأرز والمعكرونة والسكر والملح والزيت النباتي، وقد جرى ذلك بالتنسيق المباشر مع شبكات المهاجرين والمهاجرات المحلية.

بعد أن كانت آن ضمن الجهة المتلقية للحصص الغذائية واختبرت الفرق الذي أحدثه ذلك في حياتها، باتت آن تدرك مدى أهمية دعم الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية. والحال ان تلبية احتياجاتها الأساسية مكنتّها من رد الجميل ودعم مجتمعها بالطريقة عينها. تعمل آن اليوم كمتطوعة في "حركة مناهضة العنصرية"، جنبًا إلى جنب مع زملائها العمال والعاملات المهاجرين والمهاجرات، كجزء من شبكة أعضاء المركز المجتمعي للمهاجرين والمهاجرات التابع لـ "حركة منهاضة العنصرية". كمتطوعة، لا تساعد آن فقط في توزيع سلل الطعام ودعم الآخرين في المجتمع، بل تشارك أيضًا في مداخلات قيّمة مع المنظمة حول المطلوب لدعم النساء مثلها. تقول آن "آمل أن يستمر توزيع الغذاء وأن تتم إعادة فتح المراكز المجتمعية قريبًا".

 

*تم تغيير الاسم لحماية هويتها.