الدورات التدريبية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المخصصة للنساء في لبنان تسهّل وصولهن إلى سوق العمل
التاريخ:
نشأت ريبيكا، 26 سنة، في "بيئة غير مستقرة"، على حد وصفها، وأمضت طفولتها وهي تتنقل بين منازل والديها المطلقين وجدّيها الذين أساؤوا معاملتها. اضطرت ريبيكا إلى ترك المدرسة في الصف الثامن، وغادرت المنزل في سن السادسة عشرة وأصبحت مستقلة ماليًا منذ ذلك الحين. على مرّ السنين، اعتنت بنفسها من خلال شغل وظائف عدة، بما في ذلك العمل كمروّجة مبيعات وخبيرة تجميل ونادلة. في بداية جائحة كوفيد-19 في عام 2020، فقدت ريبيكا وظيفتها كنادلة. "كنت عاطلة عن العمل، وفي ظل فيروس كوفيد-19 وأزمة الدولار، لم أعد أشعر أن لدي ما أعيش لأجله. كنت أستيقظ من النوم وأتناول الطعام ثم أنام وكررت ذلك لأسابيع عدة." ذات مرة، لم تعد ريبيكا قادرة على دفع الإيجار واضطرت إلى الانتقال إلى منزل آخر.
في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان، والتي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من إغلاق تام لأكثر من مرة، يكافح الكثيرون/آت من الفئة الشابة كمثل ريبيكا، من أجل الاستمرار. تشير التقديرات إلى أنه كان أكثر من نصف السكان (55 في المائة) تحت خط الفقر بحلول أيار/مايو 2020، وذلك يُعد زيادة 28 في المائة عن عام 2019. ووجدت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن معدل بطالة النساء ارتفع من 14.3 في المائة قبل الأزمة إلى 26 في المائة بحلول أيلول/سبتمبر 2020، أي زيادة بنسبة 63 في المائة في عدد النساء العاطلات عن العمل.
في هذه المرحلة الصعبة من حياتها، شاهدت ريبيكا مصادفة، إعلانًا على اليوتيوب حول تدريب مجاني في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يوفره مركز "كودي" في بيروت لتعزيز التعليم الرقمي للشباب والشابات غير المؤهلين/ات. تقدمت ريبيكا بطلب لبرنامج "كودي" التدريبي في مجال ترميز الكمبيوتر. "عندما وصلت إلى مركز "كودي"، اقترح أحد المرشدين أن أبدأ بدروس الإلمام بأساسيات الحاسوب. لم أكن أعرف ما يعنيه الإلمام بأساسيات الحاسوب حتى."
أكملت ريبيكا مراحل التعليم لتصبح جزءًا من مجموعة المتدربات اللواتي يتلقين دعمًا من هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتعلّم مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القائمة على متطلبات السوق في مركز "كودي". تقول رايتشل دور- ويكس، وهي رئيسة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان "حتى الآن، وجهّت معظم برامج التمكين الاقتصادي وسبل العيش للمرأة في لبنان - بما في ذلك العديد من البرامج التي تدعمها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" - الموارد نحو مجالات العمل "التقليدية" للمرأة، بما في ذلك الخياطة والحرف اليدوية والتجميل وتصفيف الشعر والإنتاج الغذائي. "في حين يمكن هذه المهن أن تأتي بنتائج إيجابية على مستوى عمل المرأة، إلا أن هناك حاجة متزايدة لاستكشاف حلول جديدة والتوسع فيها للتكيّف مع الاقتصاد المحلي والعالمي المتغيّرين." وتضيف "إن مجالات العمل التقليدية، رغم أنها لا تزال ضرورية ومؤثرة، لا تتناسب مع المفهوم المعياري للعمل المناسب للمرأة على الأمد الطويل."
يهدف برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة - الذي تم المباشرة به بالشراكة مع "أكتد"، وهي منظمة غير حكومية إنسانية فرنسية تعمل في لبنان، وتم تنفيذه من خلال المساهمة السخيّة لحكومة كرواتيا - إلى تمكين النساء من خلال التكنولوجيا، ودعمهن في العثور على عمل لائق وتعزيز قبول النساء العاملات في القطاعات غير التقليدية، مما قد يؤدي في النهاية إلى تغيير في الأدوار الاجتماعية والاقتصادية القائمة على النوع الاجتماعي وكذلك إلى فتح أسواق جديدة لتوظيف النساء على نطاق واسع.
على مدى ستة أشهر، حققت ريبيكا وزميلاتها المتدربات في "كودي" تقدماً من خلال متابعة سلسلة من الصفوف وصولاً الى التخرج بشهادة متقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي شملت مهارات في أساسيات المجال الرقمي والترميز الأساسي في الكومبيوتر والتحليلات وإدارة المعلومات عبر الإنترنت وتطوير المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وحماية تكنولوجيا المعلومات وأمنها.
بالنسبة لفرح حدار، البالغة من العمر 22 عامًا، وهي شابة لبنانية شاركت أخيراً في برنامج "كودي"، فقد سدّ التدريب فجوات المعرفة والمهارات التي لم يتم التطرق لها من خلال التعليم النظامي في البلاد. على رغم ارتفاع مستويات التعليم، فإنه يكافح العديد من الخريجين والخريجات في جميع أنحاء البلاد مثل حدار من أجل إيجاد عمل لائق بأجور تغطي تكاليف المعيشة الأساسية. تشعر فرح، التي تعيل مع شقيقها أسرتها كلها، أن شهادة البكالوريوس (في تكنولوجيا المعلومات الإدارية) لم تؤهلها للعمل. تقول فرح "عندما كنت لا أزال في الجامعة، أدركت أن المواد التي كنا [ندرسها] قديمة أو لا يمكن تطبيقها في [الوظائف]. لقد أنهيت دراستي الجامعية، ولا أزال غير قادرة على [استيفاء] أيًا من متطلبات الوظائف الشاغرة، لذلك قررت أن أتلقى تدريبًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" وتضيف "لا أعتقد أنني أستطيع أن أعبّر بما يكفي عن أهمية هذا التدريب. كل ما أعرفه – وأطبّقه اليوم – عبارة عن أمور تعلمتها خلال هذا التدريب."
المتدرّبة فرح علي، 22 سنة، تخصصت في المعلوماتية الحيوية في الجامعة، لكنها تخرّجت لتواجه شحًا في فرص العمل في هذا القطاع في لبنان. تقول علي، وهي لبنانية من أصل فلسطيني "من الصعب رؤية الكثير من الناس غير قادرين على توفير الطعام لأسرهم" وتضيف "إن الأشخاص الذين يعملون في مجالات كان تعدّ في السابق وظائف تؤمن رواتب للطبقة المتوسطة يعانون لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المأكل، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والزيت." علي واثقة من أن تدريب "كودي" قد زوّدها بالمهارات المناسبة للعثور على عمل، لكنها تقرّ أيضًا بأنه لا يزال هناك صراع شاق في لبنان لتوظيف المزيد من النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تضيف "على نحو عام، يصعب على الفتيات العثور على وظائف في التكنولوجيا. عندما نتقدم إلى أي وظيفة في مجال يتعلق بالتكنولوجيا، سيفضلون دائمًا الرجال باعتبار أنهم يفهمون ويعرفون المزيد و"يمكنهم العمل بشكل أفضل من النساء". أعلم أن هذا ليس صحيحًا. يجب على أرباب العمل إعطاء الأولوية للمعرفة والكفاءة بدل التركيز على النوع الاجتماعي لمقدم/ة الطلب."
في يوم التخرّج لدى "كودي"، قدّمت كل متدربة مشروعًا نهائيًا كانت تعمل عليه، بما في ذلك عرض توضيحي لتطبيق أنشأته كل منهن من البداية. تعمل "كودي" على مشاركة هذه المشاريع علنًا، على أمل جذب التمويل من المستثمرين/ات الذين قد يرغبون في المساعدة في إحياء بعض هذه الأفكار. كما تم تزويد المشاركات في مبادرة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بكومبيوتر محمول لمساعدتهن على بدء حياتهن المهنية الجديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
لا تزال علي تأمل في العثور على وظيفة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قريبًا. تشعر بالارتياح لأن أختها، التي أخبرتها عن البرنامج، كانت أيضًا جزءًا من مجموعة تدريب سابقة في "كودي" وتعمل الآن في مجال تطوير المواقع الإلكترونية. في الواقع، عام 2020، وجد 81 في المائة من جميع خريجي وخريجات برامج "كودي" فرص عمل بعد انتهاء التدريب. تعتبر على أن الفضل في هذا النجاح يعود إلى الطبيعة الشاملة للبرنامج، "خلال التدريب على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قدّم لنا المدربون والمدربات دروسًا غير تقنية، وكان لدينا العديد من ورش العمل لتعزيز مهارات اللغة الإنجليزية والخطابة والتعامل مع المشاكل والتعامل مع العملاء والمشاريع والمواعيد النهائية."
بدأت حدار أخيراً العمل قي وظيفة جديدة في تطوير المواقع الإلكترونية بدوام كامل مع وكالة رقمية. "كان التدريب على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالنسبة لي تجربة غيّرت حياتي،" تقول حدار. "قبل مجيئي إلى "كودي"، كنت مترددة جدًا في ترك وظيفتي. منذ أن بدأت مع "كودي"، حتى الآن، أجريت العديد من مقابلات العمل. بمجرد إضافة تدريب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع "كودي" في سيرتي الذاتية، بدأت أتلقى الكثير من الاتصالات لوظائف." اليوم، تشعر حدار أن لديها أحلام كبيرة للمستقبل. "خطتي الآن هي اكتساب المزيد من الخبرة في تطوير المواقع لفتح مركز مثل "كودي" من أجل طلاب المدارس. نظرًا إلى أن التعليم النظامي في معظم الأحيان، لا يلبّي متطلبات مجال العمل، أرغب في مساعدة الجيل الشاب، لكي يكونوا أكثر استعدادًا بمجرد دخولهم مجال العمل."
في هذه الأثناء، تفكّر ريبيكا في أنها قبل عام، لم تكن تملك جهاز كومبيوتر محمول خاص بها حتى. اليوم، تعمل الشابة البالغة من العمر 26 عامًا في تطوير المواقع. تزيد "المرة الوحيدة التي جلست فيها أمام جهاز كومبيوتر محمول كانت لتحديث سيرتي الذاتية، وكنت أحتاج إلى المساعدة لإتمام ذلك بل وكنت أجد صعوبة في إنهاء ذلك. حين أستعيد هذه الفترة من حياتي، أفكر في أن النساء محاربات، فعلاً، وخاصة النساء اللواتي مررن بأزمات وعانين بشدة."