من موقعي هذا: "ساعدنا التدريب على امتلاك الثقة في قدرتنا على الحلم"

التاريخ:

ميساء بكري. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصور

قبل أربع سنوات، أصبحت ميساء بكري، وهي أم لثلاثة أطفال، المعيلة الرئيسية لأسرتها بعدما سقط زوجها، وهو عامل بناء، من سطح أحد المباني، فأصيب في ظهره وفقد بصره تماماً تقريبًا.

"في أعقاب الحادث الذي تعرض له زوجي، حاولت العثور على وظيفة كعاملة منزلية، لكنني تعرّضت في حالات كثيرة للتحرش الجنسي أو التنمر. ثم بدّلت عملي والتحقت بمحل لبيع الملابس في طرابلس. تقدمت باستقالتي بعد أقل من عام لأن صاحب العمل كان يشعرني دائمًا بعدم الارتياح. في اليوم حيث أخبرته أنني أريد ترك الوظيفة، حاول الاعتداء عليّ جنسيًا. لحسن الحظ، تمكّنت من منعه. قبل هذا الحادث، قمت بإرسال رسالة نصية إليه مرّة، عندما كان في تركيا، لأني أردت شراء بعض الملابس من المتجر على أن أدفع ثمنها بمجرد عودته، وهذا ما فعلته. بعد تسعة أشهر، اتهمني بسرقة سروال من المتجر. تم اعتقالي وسجني لمدة سبعة أشهر. كان صاحب العمل أصدر أمرًا قضائيًا بالمنع ضدي، فلم يُسمح لي بعد إطلاق سراحي بالعمل في أي مكان قريب من حيث يقع متجر الملابس.

كانت عائلتي في حالة ذهول. خلال سجني، تدهورت الحالة المعيشية في المنزل، وبدأ أطفالي في البحث عن الطعام في صناديق القمامة لكي يتمكنوا من النوم ليلاً. كان الأمر صعبًا خصوصاً على زوجي بسبب كل الشائعات التي بدأت تنتشر عني في مجتمعنا. حاول الناس إقناع زوجي بأنني لم أدخل السجن بتهمة السرقة، بل بتهمة الدعارة وزرعوا الشكوك في رأسه - كان علي أن أريه له الأوراق القانونية لأجعله يصدقني.

بعد الإفراج عني، كنت خائفة جدًا من التقدم إلى وظائف لأنني كنت أعرف أن سجلي القضائي تضمّن إدانة. كنت لا أزال أستطيع الطهي وتنظيف منازل الآخرين، لكن المال لم يكن كافيًا لإعالة أسرتي. بحثتُ كثيرًا عن فرص جديدة، وحينها سمعت عن تدريب الخياطة الذي وفّرته "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل".

لطالما أحببت الخياطة، ولكن لم تتح لي الفرصة قبل الآن لبناء مهاراتي. عملت أمي وأختي في الخياطة، لذلك كان لدي القليل من المعرفة في هذا الخصوص عندما انضممت إلى هذا التدريب. لقد منحني الاستيقاظ مبكرًا كل يوم للذهاب إلى ورشة العمل الفرصة للخروج من المنزل ورؤية العالم.

إن الدعم النفسي والاجتماعي وتدريب الخياطة غيّرا حياتي. من خلال ورشة العمل هذه، تعرّفت على أصدقاء لم يحكموا عليّ بسبب الماضي، كنا جميعًا نصل مبكرًا ونتناول الفطور معًا. لقد دعمنا بعضنا بعضًا طوال مسار التعلّم الذي شمل خياطة السحابات والأزرار والفساتين. تضمن الدعم النفسي الاجتماعي جلسات جماعية مع مدربين (ومدربات) حيث تحدثت المشاركات عن التجارب السابقة وتعلّمن تقنيات التواصل الاجتماعي وطرق مواجهة العالم. ساعدنا التدريب على امتلاك الثقة في أن نحلم واستكشاف المشاريع التي لم نكن نعتقد في الماضي أننا نستطيع تحقيقها.

قرابة نهاية التدريب، بدأت في تلقي الطلبات من أجل تقصير الأكمام وإضافة السحّابات. عندما انتهى التدريب، حصلت على آلة خياطة خاصة بي. يمكنني الآن تلبية طلبات زبائن أكثر وأداء مهام أكثر تعقيدًا. أتقاضى 3000 ليرة لبنانية عن كل مهمة خياطة، وهو سعر كيس من الخبز. قد لا يبدو هذا المال كثيراً، لكن إذا كان هذا يكفي لكي تستطيع عائلتي الأكل، فأنا ممتنة.

جعلني هذا التدريب أحب نفسي وأحب عملي. أشعر أنني أستطيع السيطرة على الضغط النفسي بشكل أفضل وسط هذه الأزمة الاقتصادية، وأنا متفائلة. قبل مجيئي إلى هنا، فقدت الأمل في كل شيء، لكن وجودي هنا ساعدني على التطور والعثور على سبب للعيش مرة أخرى




 

اشتركت ميساء ببرنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي يستهدف السجينات الحاليات والسابقات في لبنان، والذي تم تنفيذه بالشراكة مع "الجمعية اللبنانية للإصلاح والتأهيل" - وهي منظّمة غير حكومية مقرها طرابلس- وبفضل دعم سخي من حكومة اليابان.

يدعم البرنامج إعادة تأهيل السجينات وعملية انتقالهن من السجن إلى المجتمع. يتضمّن التدريب جلسات دعم نفسي واجتماعي بالإضافة إلى تدريب على المهارات، في الخياطة والطبخ. في نهاية التدريب الذي استمر ستة أشهر، تم تزويد المتدرّبات بالمعدات اللازمة لتمكينهن من إطلاق أعمالهن التجارية الخاصة.

يهدف برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى دعم السجينات السابقات في لبنان لدخول سوق العمل واستئناف حياتهن، الأمر الذي قد يكون صعبًا على نحو خاص على السجينات أو السجينات السابقات اللواتي يواجهن التمييز نتيجة سجنهن ووسط الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث ارتفع معدل بطالة النساء من 14.3٪ قبل الأزمة إلى 26٪ بحلول أيلول/سبتمبر 2020، وفقًا لدراسة حديثة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

تبيّن قصة ميساء أهمية تحقيق هدف التنمية المستدامة الخامس حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى الحد من أوجه عدم المساواة في الدخل وتلك القائمة على العمر أو النوع الاجتماعي أو الإعاقة أو العرق أو الإثنية أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك.