على لبنان إعلان العنف ضد النساء حالة طوارئ وطنية
التاريخ:
آن ديسمور، السفيرة السويدية وراشيل دور-ويكس، رئيسة مكتب "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، في لبنان
في 23 شباط، قبل أسبوعين، إعتُدي على امرأة على نحو وحشي على يد زوجها السابق.
إن العنف الشديد الذي مورس عليها سيُقابل باستنكار سريع على وسائل التواصل الإجتماعي. لكن الجميع سينساه سريعاً، الجميع، سواها.
هذا الشكل من العنف الممارس ضدها شاع وانتشر فأصبح عادياً، وجزءاً متوقعاً من حياتنا اليومية ومن نشرات الأخبار، بل، وبالنسبة لعدد كبير جداً، جزءاً لا يتجزأ من كونها امرأة.
أشارت التقديرات في 2018 إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء متزوّجات في لبنان تعرّضت إلى العنف وقد مارسه عليها أحد أقاربها الذكور. ومُذَّاكَ، هذه النسبة إلى ارتفاع، متفاقمةً بفعل الأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان. إن هذا الواقع ويا للأسف، جزء من مسار عام، ولا تشكّل السويد إستثناء في هذا المجال.
وللعنف تداعيات جمّة على النساء، وأُسَرِهن، وعلى المجتمعات برمتها.
وعند حدوث هذا العنف خلال فترات الإغلاق، يرتفع احتمال أن يشهده أفراد الأسرة الآخرين، والأطفال تحديداً، فيعدّوه أمراً طبيعياً، بل وثمة احتمال أن يصيروا همّ أيضاً مستقبلاً أشخاصاً عنيفين.
لكن، ورغم ازدياد حالات العنف ضد النساء في لبنان، خلال العام الماضي، لم تُطلق أي نداءات لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ولم تُشكّل إي لجان طوارئ.
ويتردّد غالباً بأن المنزل هو أكثر الأماكن أماناً للنساء. لكن العنف الأسري يحدث عادةً داخل المنزل، فيبقى بعيداً عن الأنظار، ويبرَّر كمسألة خاصة يجب التعامل معها بخصوصية.
وتقع هذه الممارسات في سياق حيث يهيمن الرجال على هياكل السلطة التي تدعم الاقتصاد والنظام السياسي والعادات الاجتماعية. وتسهم قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية الـخمسة عشر في ترسيخ هذا الواقع عبر الاعتراف، مثلاً، بحق الزوج في "حقوقه الزوجية" بلا موافقة المرأة. بينما يُحتفى غالباً بهويات ذكورية تتميّز بالقوة والسيطرة والطابع العسكري، يُعد اللطف والتعاطف والتعاون والتوافق، غالباً، من علامات الضعف.
في أفضل الأحوال، تُعالج قضايا العنف ضد المرأة بالتجاهل بوصفها مأساة خاصة. وفي أسوأ الأحوال، تُبرَّر كأمر مشروع ومقبول.
وبعد عقود من المناصرة، أقرّ لبنان في 2014 القانون رقم 293 للحدّ من العنف المنزلي، وقد عُدِّل هذا القانون في كانون الأول الماضي.
لكننا ما نزال نشهد عنفاً ضد النساء في جميع أنحاء البلاد، في ظل إفلات واسع من العقاب، وهذا يبعث برسالة واضحة إلى المُرتكبين: ستمرّ جريمتكم من دون عقاب.
نحن الآن أمام حالة طوارئ وطنية تتطلّب اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة.
وفي هذا اليوم الدولي للمرأة، نُشيد بجهود منظمات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني النسوية، خلال العام الماضي في لبنان، للكشف عن الجائحة المستترة هذه ومحاربتها. نستلهم النساء والرجال، في جميع أنحاء لبنان، العاملين، بلا كلل، في مجتمعاتهم لإعادة بناء لبنان بطريقة تجسّد المساواة بين الرجل والمرأة. تضطلع الأمم المتحدة وشركاؤها، مثل السويد، بمسؤولية هامة لتعزيز وتقوية عمل هؤلاء. ندعو إلى مواكبة جهودهم بإجراءات فعالة ومستدامة، على أعلى المستويات.
كخطوة أولى، على لبنان إدراك خطورة هذه المشكلة ووضع خطة استجابة طارئة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، مقرونة بالموارد مالية، والسياسات، وحملات التوعية، والإرادة السياسية اللازمة للقضاء على هذه الآفة. وكأولوية، يجب جعل الخط الساخن الوطني 1745 والفحوص الطبية الشرعيّة مجانية، كي لا تحول الموارد المالية دون إنقاذ الأرواح. ويتعيّن على السلطات القضائية اللبنانية محاسبة الجناة، وصون كرامة الناجيات وحقوقهن، وتمديد أوامر الحماية القضائية الحاليّة، من جانب واحد، حتى نهاية الإغلاق. هذا بالإضافة إلى زيادة القدرة الإستيعابية لمراكز الإيواء المتاحة في البلاد لحماية ودعم النساء المعرّضات للخطر وأطفالهن.
لا يزال عدد كبير جداً يعتبر العنف ضد النساء مقبولاً وفي أحيان كثيرة، عادياً. ولكن العنف في الواقع بعيد كل البعد عن العاديّة - ويجب العمل على منع استمرار اعتباره أمراً عادياً.