لاجئات فلسطينيات في لبنان يؤدين أدواراً بارزة في حل النزاعات

التاريخ:

ليلى سليمان، لاجئة فلسطينية تقيم في مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصوّر

 تقديرا  للدورالإيجابي الذي يمكن أن تؤديه المرأة في مجتمعها المحلي في الوساطة وبناء السلام، تقوم امرأة فلسطينية تعيش في مخيم للاجئين في لبنان  بتعزيز قدراتها بالأدوات اللازمة لتهيئة مستقبل أكثر أماناً لأطفالها ومجتمعها.

في مخيم عين الحلوة وهو أكبر  مخيم  للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يهدّد النزاع وعدم الاستقرار حياة السكان على نحو متكرر. يأوي المخيم اليوم ما يقارب 60,000 نسمة[1]، وهو يعاني، منذ  نشأته عام 1948 في جنوب لبنان، تجدد  الصراعات الداخلية على خلفية الخصومات السياسية وارتفاع معدلات الفقر.

ليلى سليمان لاجئة فلسطينية عمرها 52 عاماً، وُلدت وترعرعت في المخيم، وهي تكافح منذ سنوات عدة لحماية أطفالها من هذا الوضع القائم في عين الحلوة. عام 1991، أودى اشتباك مسلح بين مجموعة من سكان المخيم بحياة زوج ليلى، وتركها أرملة وأمّاً لأربعة أطفال وهي  تبلغ الثالثة والعشرين من العمر.

ومنذ ذلك الحين، رفضت الامتثال لدور "الأرملة" كما تحدده المصطلحات الاختزالية، الذي جعل دورها  يقتصر   على الشعور بالحزن والبقاء في المنزل. بدلاً من ذلك، عملت ليلى جاهدة، معتمدةً على نفسها، لتوفّر الاستقرار لأطفالها. أطلقت ليلى عملها الخاص في إنتاج المواد الغذائية المنزلية وبيعها، كالزعتر وماء الزهر، وأعطتها علامة "شغل دياتي" التجارية. على مر السنين، حقق عملها نجاحاً في أسواق عين الحلوة،  وفي أسواق مدينة صيدا المجاورة.

تشعر ليلى  بالفخر بما حققته رغم الصعاب. تقول "أطفالي هم أهم إنجازاتي"، وتضيف "لقد تمكنت من حمايتهم وحققت طموحي من خلالهم، فجعلتهم يلتحقون بالمدرسة ثم بالجامعة".

تشتهر نساء عين الحلوة بشكل عام بقدرتهن على الصمود وبشجاعتهن. تهدّم جزءٌ كبير من مخيم عين الحلوة خلال الحرب الأهلية. وبعد الحرب، أخذت  نساء المخيم على عاتقهن الدفاع عن منازلهن ومجتمعهن وإعادة البناء. فالنساء اللواتي لم  يخرجنّ من منازلهن  سابقاً  بسبب التصورات التقليدية لأدوارهن داخل الأسرة، تحمّلن مسؤولية أعمال من توفى أو تغيّب من الأزواج والآباء والأخوة.  شغلن أيضاً وظائف لم تكن تعتبر لائقة "للسيدات" في ذلك الوقت،  بما في ذلك أعمال البناء والعمل كبائعات في محلات البقالة. عندما عاد بعض الرجال اثر انتهاء الحرب، وجدوا أن نساء   المجتمع  المحلي حافظن على سلامة الأسر وعلى المنازل وسبل العيش،  حتى في الحالات  حيث توجّب عليهن البدء من الصفر وإعادة بناء المنازل التي هدمت بالكامل.

وتكريماً لما أظهرته النساء من قوة وقدرة على القيادة، أُطلق على المخيّم اسم جديد، غير رسمي، هو"مملكة المرأة"، وظهرت النساء عام 2010 في وثائقي بعنوان "عين الحلوة:  مملكة النساء". ومنذ تلك العقود ، لا يزال الصراعجزءا من الحياة في المخيم. لكن النساء ما زلن  يؤدين  أدواراً مهمة ليس في إدارة الحياة اليومية فحسب، بل أيضا في بناء سلام طويل  الأمد، من خلال تسوية النزاعات في مجتمعاتهن المحلية.

تعمل "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" منذ عام 2020 في عين الحلوة لدعم  مبادرات تقوم على اللاعنف وتوسيع أدوار المرأة في صنع السلام واتخاذ القرار في المخيم. قد تلقت أكثر من 24 امرأة دورات تدريبية في مجال الوساطة نُظّمت بالتعاون مع و"كالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا) وبدعم من "مؤسسة ريبيكا دايكس".

لاجئات في مخيم عين الحلوة يشاركن في تدريب على الوساطة. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصوّر

وتقول  جوسلين جرجس، وهي مدربة لدى "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" على الوساطة،من مركز الوساطة المهنية في "جامعة القديس يوسف": "يهدف هذا المشروع إلى تطبيق قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن على المستويين المحلي والوطني من خلال دعم مجموعات من النساء للمشاركة  على نحو فعال في جهود الوساطة في مجتمعاتهن". وتضيف "وهذا الشكل من أشكال منع نشوب النزاعات هو من المهارات الأساسية التي تساهم في نزع فتيل التوترات  وتشجيع الأطراف المتنازعة  على التوصل إلى حل قابل للتطبيق، وإيجاد بديل  سلمي للجوء إلى العنف".

وتتضمن المرحلة الحالية من المشروع جمع النساء المدربات على حل النزاعات ليطرحن معاً أفكاراً لبناء السلام، بهدف وضع خطة لمنع نشوب النزاعات داخل المجتمع المحلي.  إلى الآن، كانت ردود الفعل على الجلسات مشجّعة، حيث أظهرت المتدربات تصميماً على العمل مع جميع المجموعات،  بما فيها الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة داخل المخيم.

وتقول نادية خليفة، وهي أخصائية في المرأة والسلام والأمن في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، "لطالما حُجبت مشاركة المرأة في جهود بناء السلام والإنعاش في لبنان ولم يلحظها أحد". وتضيف "يجب إلقاء الضوء على تصميم المرأة على تحقيق السلام والاستقرار وعلى جهودها لحماية مجتمعاتها من العنف كما يجب الاعتراف  بجهودها ودعمها باعتبارها من العناصر الأساسية للسلام المستدام في لبنان".

تعتقد ليلى،  وهي شاركت في التدريب على الوساطة، أن هذا التدريب مدّها بالثقة التي تحتاج إليها للتعامل مع أي نوع من أنواع النزاع. وقالت"أنا الآن قادرة على ممارسة مهارات الوساطة والتفاوض التي اكتسبتها، مثل الاستماع النشط، والتواصل الإيجابي، والتسوية بين وجهات النظر المتضاربة،  على أمل  القيام بتسوية النزاع واستخدام هذه المهارات لتأمين حماية أفضل لأولادي وأحفادي سواء داخل مخيم عين الحلوة أو خارجه".

 

[1] الأشخاص المسجلون في الأونروا، حتى حزيران/يونيو 2018