الأمم المتحدة تدعم مسيرة المصالحة والتعافي وبناء السلام في لبنان
التاريخ:
نُشرت القصة في الأصل على موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان.
شهد لبنان منذ الحرب الأهلية (1975-1990) سلسلة من النزاعات التي أجّجت التوتر. والحال أنه لم يتم التعامل مع هذا الماضي العنيف على نحو مناسب. من أجل التصدي للجراح التي خلّفها العنف في لبنان، يعمل برنامج مدعوم من الأمم المتحدة بعنوان "التعامل مع الماضي: ذاكرة للمستقبل" على تعزيز الحوار والسلام بين المجتمعات ويسعى إلى تعزيز ودعم المصالحة واستعادة كرامة ضحايا الحرب وكذلك إعادة إرساء السلام ومنع النزاعات.
تقوم هذه المبادرة وهي عبارة عن جهد مشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة)، على دعم المجتمع المدني والأفراد والمؤسسات في جهودهم للبحث عن الحقيقة، وتعزيز الذاكرة الجماعية، والانتقال في نهاية المطاف، نحو المصالحة حول إرث الحرب الأهلية اللبنانية.
تكمن القوة الدافعة لهذا المشروع في الاقتناع بأن التعافي لا يمكن أن يبدأ إلّا عندما يعترف المجتمع بماضيه، ويتبنّى تاريخه، ويسعى على نحو جماعي لتحقيق المصالحة. ومن خلال التركيز على إعادة سرد تاريخ لبنان من وجهات نظر مختلفة فضلاً عن الحوار بين المجتمعات، تساعد الأمم المتحدة في لبنان من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة على تمهيد الطريق لتحقيق سلام مستدام.
قفزة نوعية في تدريس مادة التاريخ
في سياق هذا البرنامج الذي تدعمه السفارة السويسرية في لبنان وسوريا وصندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، أقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي شراكة مع "الهيئة اللبنانية للتاريخ" من ضمن شراكات وعلاقات تعاون أخرى. وقد أسفرت هذه الشراكة عن العديد من النتائج البارزة. فقد دعمت "المركز التربوي للبحوث والإنماء" من خلال دمج الاستراتيجيات والمنهجيات التي تساهم في التعامل مع الماضي. ولعبت دورًا حاسمًا في تحسين قدرات المعلمين لتعزيز التفكير التاريخي واستخدام المنهجيات التاريخية التي تعزز تعدد وجهات النظر ومراعاة المنظور القائم على النوع الاجتماعي، والتعامل مع الروايات المتعددة مع التركيز على التواصل الذي يراعي ظروف النزاع. كما عززت روح الجماعة بين معلمي مادة التاريخ من خلفيات متنوعة في جميع أنحاء البلاد، مع تسهيل الحوار في ما بينهم. وقد أدى ذلك إلى تشكيل فريق من المدربين والمدرّبات والحال أن 34 شخصاً خضعوا لتدريب مكثف، في مسعى لمعالجة النقص الكبير في المدرّبين في مجال تدريس مادة التاريخ. وأخيرًا، دعمت هذه الشراكة إنشاء موارد رقمية كانت فعّالة في التحول نحو نهج متعدد السرديات يعتمد على تحليل المصدر، والابتعاد عن نهج السرد الفردي المبسط.
بالنسبة لرئيس الهيئة الدكتور أمين الياس:" لقد أعددنا بنية تحتية لتعليم مادة التاريخ. انتقلنا من الأسلوب التقليدي لتعليم مادة التاريخ: من صف يقدم فيه الأستاذ درسًا للحفظ إلى صف أشبه بمشغل حيث يتشارك الطلاب في التحليل والمناقشة لصنع روايتهم التاريخية الحاضنة لكل الآراء."
يتابع الياس: "لقد مكّنا مدربين ومدرّبات ليكونوا قادرين على تدريب معلمين، في القطاعين الخاص والعام في جميع أنحاء لبنان، على تقنيات وطرق جديدة لتدريس مادة التاريخ لنقل فكرة أن التاريخ يربط الماضي بالحاضر".
ويشدد الياس على أهمية وجود منهج جديد لمادة التاريخ في المدارس في لبنان؛ منهج مرن وشامل ويأخذ بعين الاعتبار التعددية اللبنانية.
جيهان فرنسيس، هي إحدى المعلمات التي شاركت في برنامج تدريب المدربين الذي يسّرته الهيئة. تبنّت جيهان، وهي معلمة ومنسقة في مدرسة برمانا العليا، النهج التعليمي للبرنامج واستخدمت المهارات التي اكتسبتها.
تقول جيهان :"لقد اتبعت هذه الأساليب مع طلابي، وركزت على بناء الحوار والتفكير النقدي. عندما ننجح في تدريب الطلاب على الاستماع لبعضهم البعض والاعتراف بوجود وجهات نظر متعددة واحترام آراء بعضهم البعض، فإننا بذلك نعزز ثقافة التواصل اللاعنفي بينهم."
وهي تعتبر أن الأساليب الجديدة تساهم في إحداث تحولات عميقة في وجهات نظر الطلاب حول الماضي، تتابع القول: "ينخرط الطلاب من خلفيات مختلفة بشكل واضح في محادثات حول الماضي. قال لي أحد الطلاب:" لن أفكر في حياتي أبدًا أن أحمل سلاحًا!".
وتشبّه جيهان هذا المسار ببناء جسر بين الماضي والمستقبل لهذا الجيل الذي لم يختبر الحرب.
لقد ساهمت الدورات التدريبية التي حضرتها جيهان في تمكينها على المستوى الشخصي. اذ تقول: "لقد عززت الدورات التدريبية قدرتي على التعبير عن نفسي وتقبّل الأشخاص من حولي من خلفيات مختلفة".
التسامح أساسي لتحقيق السلام
في سياق هذا البرنامج الذي تدعمه حكومة النرويج وصندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، نظّمت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالشراكة مع المنظمة النسوية اللبنانية كفى، سلسلة من الحوارات كجزء من البرنامج الساعي لإشراك النساء الآتيات من خلفيات ومناطق مختلفة في لبنان.
غولدا أبو نعوم، هي واحدة من المشاركات في سلسلة الحوارات التي أجريت في سياق البرنامج وهي مقاتلة سابقة في الحرب الأهلية في لبنان. تشارك غولدا رحلتها البارزة نحو المصالحة. تقول:"لقد جئنا إلى جلسات الحوار حاملات خلفيات ومعتقدات مختلفة. عندما تبادلنا الآراء وتشاركنا التجارب الشخصيّة، وجدنا طريقًا للتعافي من خلال تقبّل الماضي والتعامل معه على نحو أفضل. وبعد ذلك، توصلنا إلى استنتاج مفاده أن التعاطف والقدرة على فهم ما يشعر به الآخرون والأخريات ورؤية الأمور من وجهة نظرهم/ن، هي مسائل أساسية لتحقيق السلام."
لم تقتصر هذه الحوارات على تعزيز المصالحة فقط، بل شعرت المشاركات بالمسؤولية في تعزيز ثقافة بناء السلام هذه. تقول غولدا: "لدي دور في نشر التوعية حول المصالحة بين الأجيال الصاعدة في مجتمعي".
النساء صانعات التغيير
جنيفر بو نصر هي طالبة جامعية شابة تحمل تطلعات كبيرة في ما يخصّ تحقيق مستقبل سلمي. انضمّت إلى جلسات الحوار كمتدربة ثم أصبحت ميسرّة للحوارات. تشدّد جنيفر على قدرة السرد والحوارات في تعزيز التعافي الجماعي للمشاركات. تقول:" وجدنا من خلال تبادل الخبرات الأسس المشتركة وأدركنا أننا نتشارك جروح {العنف} عينها، والحال أنه في وسعنا أن نتعافى من خلال الاعتراف بهذا الألم، فحسب".
خلال إجراء الحوار، تم دعم المشاركات لسرد قصصهن التي أثارت مشاعر مشتركة، ذلك أن المشاعر جامعة ولديها القدرة على بناء التعاطف والثقة بين المشاركات.
وفي سياق الحوارات المفتوحة، شاركت النساء تجاربهن الخاصة في شأن النزاع: "عندما تبادلنا الآراء ووجهات النظر {حول ما مررنا به}، أدركنا أن النساء لم يكنّ ضحايا الحرب فحسب، بل كنّ صانعات التغيير في مجتمعاتهن؛ فبالإضافة إلى أنهن حمين ذويهن، ساعدن أيضًا في تعزيز السلام".
ساعدت سلسلة الحوارات هؤلاء النساء على اكتساب مهارات بناء السلام وتطويرها. تتابع جينفر: "لقد اكتسبت ثقة بالنفس، وأنا الآن قادرة على قيادة الحوارات بين أفراد المجتمع الآخرين، من نساء ورجال، حول بناء السلام والخطاب اللاعنفي".
مع استمرار المبادرات التي تجري في سياقه، ينير برنامج "التعامل مع الماضي: ذاكرة للمستقبل" الطريق نحو تحقيق المصالحة وتقبّل الآخر وفي نهاية المطاف تحقيق السلام. فهذا البرنامج يمكّن الأفراد والمؤسسات فيتبنّون ماضيهم، ويقبل بعضهم البعض، ويشكّلون على نحو جماعي، مستقبلاً سلمياً أكثر إشراقًا للبنان.