في وسط أزمات عدة، تستخدم سيدة سورية في بيروت مهارات جديدة لكسب لقمة العيش

التاريخ:

فيما يشهد لبنان زيادة سريعة في حالات كوفيد-19 وتتدهور الظروف المعيشية على خلفية الأزمتين السياسية والاقتصادية المستمرتين فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت، تحاول نسرين كف الغزال، وهي سيدة سورية مقيمة في العاصمة اللبنانية، تغطية نفقاتها.

نسرين كف الغزال وتسنيم مدللي، في مركز الخدمات الانمائية في طريق الجديدة. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

شهدت نسرين كف الغزال، وهي امرأة سورية تعيش في بيروت، على تضرر منزلها من جراء انفجار بيروت في 4 آب/أغسطس. تقول نسرين "تحطّم زجاج المطبخ والحمام وغرفة الجلوس أمام عيوننا".  

كان ابنها نور، البالغ من العمر 20 عامًا والعاطل عن العمل حاليًا، في مقهى مع أصدقائه في منطقة الروشة، على بعد نحو 6 كيلومترات من موقع الانفجار. لم تتمكن نسرين من الوصول إليه ذلك انها فقدت إشارة الإرسال في هاتفها المحمول ولم تستطع الاتصال به أو بأي من أصدقائه. لحسن الحظ، تمكّن من العودة إلى المنزل مشياً، ووصل بعد ساعة من الانفجار سالمًا.

بعد قرابة ثلاثة أشهر من الانفجار، ما زالت نسرين تنتظر عمال البناء المتطوعين الذين سيساعدوها في إصلاح زجاج منزلها. تأمل أيضاً أن تتمكن قريبًا من استئناف بيع تصميماتها لأغلفة الشوكولاتة - وهي إحدى المهارات التي تعلمتها خلال ورشة تدريبية حول تنظيم المناسبات بدعم من "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" - بغية كسب المال ودعم أسرتها.

كانت نسرين تبلغ من العمر 12 عامًا فقط حين تزوجت - قبل 21 عامًا - وانتقلت من مسقط رأسها سوريا إلى بيروت. تتذكر قائلة: "في سن الثانية عشرة، اعتقدت أن الزواج يعني فستان زفاف، والعريس الوسيم وبعض العناق والقبلات." لكن سرعان ما أدركت ان وضعها الجديد سيفرض عليها العمل والمسؤوليات. عندما انتقلت نسرين إلى لبنان قالت لها حماتها: "الآن أنت متزوجة. من الأفضل  لكِ ان تنسي الطفولة. من الآن فصاعدًا، لا يمكنك الاعتماد على والدتك، ولا تتوقعي من أحد أن يطعمك أو يجلب لك الملابس."

بعد عام واحد، في سن 13، أنجبَت طفلها الأول، وسرعان ما أنجبت صبيين آخرين. كان من الصعب للغاية أن تصبح أماً وهي  طفلة. كانت المهام البسيطة مثل إعطاء الحمام لمولودها الجديد أو احتضانه مرعبة بالنسبة لها، وهي تقول "كنت طفلة أعتني بطفل، بينما احتجتُ أنا إلى أن يضعني أحدهم في السرير أو أن يُطعمني."

تخلّت نسرين عن أي خطط للدراسة أو لاتباع مسار مهني، وتعلمت خلال فترة وجيزة كيفية القيام بالأعمال المنزلية. في مثل هذه السن المبكرة، لم يكن لديها الوقت أو الثقة لتكوين الصداقات أو الانخراط في حياة اجتماعية؛ لم تكن تزور جيرانها حتى. الآن تبلغ نسرين  33 عامًا  وتريد عقد الصداقات والتعلم وبناء مستقبل مهني لها.

نسرين كف الغزال، في مركز الخدمات الانمائية في طريق الجديدة. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

عندما عَلِمت لأول مرة من طريق أحد أصدقائها عن دورة تدريبية حول تنظيم المناسبات يحتضنها "مركز الخدمات الإنمائية"، في طريق الجديدة، في بيروت، أدركَت أنها تريد أن تتسجل. هذا التدريب الذي يستغرق شهرين هو واحد من تدريبات عدة توفّرها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" وتنفّذها "مؤسسة الصفدي" بدعم من حكومة اليابان. تهدف هذه التدريبات إلى دعم النساء والفتيات لتعزيز استقلالهن الاقتصادي.

خلال جائحة كوفيد-19، تمكّن "مركز الخدمات الإنمائية" من تطبيق الاحتياطات اللازمة لاستضافة وتدريب النساء وقد بلغ عددهن 117 حتى الآن، في 2020.

طوال فترة تدريبها، اكتسبت نسرين مهارات جديدة في مضمار تنظيم المناسبات وتصميم حفلات الزفاف. وشمل ذلك تصميم أغلفة الشوكولاتة للمناسبات الرسمية، وإعداد تنسيقات الزهور والكريستال، ومطابقة ألوان الأقمشة. بعد انتهاء التدريب، التحقت نسرين بتدريب على وسائل التواصل الاجتماعي، تم توفيره في إطار مبادرة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة". بفضل المهارات التي تعلّمتها تمكّنت نسرين من إنشاء صفحة "شوكولا زيتونة" على الفايسبوك حيث تعرض تصميماتها المخصصة لتغليف الشوكولاتة.

على مدار العامين الماضيين وبفضل مساعدة ابنها في تسليم المنتجات، تمكّنت نسرين من بيع تصاميم تغليف الشوكولاتة ومجموعات الهدايا التذكارية للمناسبات وحفلات الزفاف وأعياد الميلاد وحفلات استقبال المواليد الجدد. على الرغم من أن نسرين لا تزال ناشطة على صفحتها على الفايسبوك والتي تحظى بمتابعة تتخطى 1500، فقد انخفضت المبيعات بسبب زيادة أسعار الشوكولاتة وتراجع عدد المناسبات كنتيجة للأزمة الاقتصادية المستمرة التي يعاني منها لبنان، بالاضافة إلى جائحة كوفيد-19.

وبالرغم من ذلك، لا تزال نسرين متفائلة. "لقد جعلني تعلُّم المهارات الجديدة أقوى، لدي الجرأة الآن لإعطاء النصائح لزوجي والتعبير عن آرائي، وبتتُ أخبره في حال اختلفت معه في موضوع محدد. زاد هذا التدريب من تقديري لنفسي. أشعر الآن بثقة أكبر في التحدث بصوت عالٍ."

 تقول رايتشل دور-ويكس  وهي رئيسة مكتب "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في لبنان "هناك حاجة إلى حلول جديدة منسّقة وخلاّقة لتمكين النساء من دعم النساء الأخريات لدخول سوق العمل، لا سيما في هذا الوقت العصيب. في لبنان، وفي هذه المرحلة حيث يشهد أزمات عدة، تستثمر "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في الرأسمال الانساني والاجتماعي للمرأة لتزويد النساء بالسبل اللازمة لدخول الاقتصاد".

تحلم نسرين بفتح متجرها الخاص وهي ملتزمة منح أولادها إنطلاقة في الحياة تكون أفضل من تلك التي عرفتها. من خلال القيام بذلك، تريد أن تؤسس لمسار مهني وتكون قادرة على المساهمة بشكل متساوٍ في نفقات العيش مع زوجها. تقول نسرين "لو أنجبتُ ابنة لما سمحت لها بالزواج في سن مبكرة. سأجعلها تنهي تعليمها ثم تفكر في الزواج".