مقال افتتاحي: بعد مرور شهر على الانفجار، دعونا نعيد بناء بيروت كأول مدينة نسوية في المنطقة العربية

في موازاة شعورنا بالحزن، لا ينبغي لنا مقاربة بيروت التي فقدناها برومانسية. كان لبنان قبل 4 آب/ أغسطس دولة تتفشى فيه مشكلة عدم المساواة ولم يتم معالجتها على نحو كافٍ

التاريخ:

نُشر في الأصل على موقع www.independent.co.uk

متطوعات شابات. الصورة: دار المصور

بقلم راشيل دور-ويكس، رئيسة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان ولينا أبي رافع، المديرة التنفيذية في المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الاميركية

قبل شهر، في 4 آب/أغسطس، أسفر انفجار مرفأ بيروت عن تدمير أحياء بأكملها، مما نتج عن مقتل أكثر من 180 شخصًا، وإصابة الآلاف، وتشريد ما يقارب 300000 شخص. وبينما تعمل البلاد على التعافي من هذه الأزمة، يتساءل الكثير في لبنان وخارجه عما إذا كانت المدينة ستنهض بالفعل من تحت الأنقاض.

بالنسبة للكثير في الغرب، فإن بيروت غالبًا ما ترتبط بذكريات الحرب الأهلية، حيث المدينة التي يجري تشبيهها  "بباريس الشرق الأوسط" باتت أرضًا مدمرة ومليئة بالركام، وهذا ما تبدو عليه بيروت اليوم.  

وبينما نشعر بالحزن على القتلى والمفقودين والمفقودات، والمصابين والمصابات والأحياء التي تدمرت الآن بشكل جذري وأصبح لا يمكن التعرف عليها، يجب عدم التعامل مع بيروت التي فقدناها برومانسية. كان لبنان قبل 4 آب/ أغسطس من الدول حيث تتفشى مشكلة عدم المساواة ولم يتم التصدي لهذه القضية بشكل كافٍ. لقد كان لبنان دولة منهكة بالفعل بسبب موجات كثيرة من الكوارث ومنها الانهيار الاقتصادي والفساد الحكومي والأزمة البيئية والانقسامات الطائفية والفقر وأخيرًا، تداعيات جائحة كوفيد-19.

نضيف إلى ذلك مشكلة عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، والتي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها قضية هامشية مقارنة بما يسمى "القضايا الحقيقية" كالأزمة الاقتصادية وانعدام الأمن السياسي. ومع ذلك، فإن عمق وانتشار هذه التحيزات المبنية على النوع الاجتماعي في لبنان هي التي تشكل البلاد. إنها تغذي الاحتفال بالنزعة العسكرية وتعرض النساء والفتيات لخطر أكبر من التمييز والفقر والعنف - لا سيما في حالات الطوارئ.

يحتل لبنان المرتبة 145 من أصل 153 دولة في مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي حسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي، متقدمًا فحسب على المملكة العربية السعودية والعراق واليمن وسوريا في المنطقة. وهذا يعني أن هناك في لبنان عدم تكافؤ إلى حد كبير من ناحية حضور المرأة وإشراكها في الحياة السياسية والاقتصادية، من بين مؤشرات أخرى – وسيستغرق سد هذه الفجوة 150 عامًا على الأقل تُسفر تلك التفاوتات عن الأزمة الكبيرة التي تواجهها بيروت حيث كانت مدينة تتميز بتفاوتات اقتصادية عميقة، مع الحد الأدنى من الأماكن العامة ومساحات شاسعة من الأحياء الفقيرة في المدينة. كل ذلك قبل السلسلة الأخيرة من المآسي.

سيؤدي الانفجار إلى تضخيم هذه المشاكل الموجودة مسبقًا، مما يجعل الحياة أسوأ بكثير ليس فقط بالنسبة للنساء اللبنانيات، ولكن أيضًا للنساء المثليات والمهاجرات واللاجئات والنساء ذوات الاحتياجات الخاصة والعديد من النساء الأخريات اللواتي يعشن بالفعل على الهامش مختفيات تحت طبقات من عدم المساواة.

أولئك اللواتي قللن في السابق من حجم وجباتهن، سيصبن بالجوع الآن. أولئك اللواتي استطعن بالكاد دفع تكاليف إيجار منازلهن في السابق، سيفقدن منازلهن الآن. النساء اللواتي عملن من قبل لن يعملن مرة أخرى، إلا في السوق السوداء، في وسط المخاطر ومن دون حماية. سيزداد الاتجار بالبشر والعمل الجنسي القسري. وسيزداد العنف ضد المرأة وسيزداد تزويج الأطفال - وقد تلجأ العائلات إلى تقليل العبء الاقتصادي عن طريق "التخلص من" الفتيات بحيث يكون هناك شخص أقل لإطعامه.

ومع ذلك، دمرت بيروت وأعيد بناؤها على مر العصور. ومع تعافيها هذه المرة، لدينا فرصة لبنائها على أساس متين ومستدام، ويعتبر تعزيز المساواة نقطة انطلاق. وهذا يعني بناء مدينة جديدة مع النساء ومن أجلهن. قد تصبح بيروت "المدينة النسوية" الأولى في المنطقة العربية. يتعلق الأمر بأمر يتجاوز الأمان والأماكن العامة، ويتعلق أيضًا بتحقيق المساواة والكرامة وإمكانية الوصول إلى المزيد من الفرص.

نكتب هذا من منظور سيدتين نسويتين تعملان بالإغاثة الإنسانية لديهما معًا 37 عامًا من الخبرة في 27 دولة حول العالم. وهذه هي وصفتنا.

يبدأ التغيير مع النساء على جميع مستويات القيادة وصنع القرار، ليس كفكرة ثانوية، ولكن كفكرة متعمدة. يعترف ذلك بالقيمة التي تجلبها النساء ليس فقط لأنفسهن، ولكن أيضًا للعائلات والمجتمعات، وأولئك اللواتي غالبًا ما نهملهن. في كل مكان بدءًا من القاعدة الشعبية ووصولًا إلى الحكومة، نحن بحاجة إلى إشراك النساء. إن تمثيل النساء أمر ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى. إذا كان الأمر يتطلب تمييزًا إيجابيًا في شكل نظام الكوتا لإشراك النساء، فلنفعل ذلك مع العلم الكامل بأن المرأة ليست حاضرة كرمز فقط، ولكن يتم تقديرها واحترامها وهذا الأمر تم إهماله لفترة طويلة. فإن أصواتهن ستجعلنا جميعًا أقوى.

من شأن إشراك النساء في السلطة والسياسة أن يسهم في تحقيق الإصلاحات التي طال انتظارها. لقد أُثقل كاهل لبنان بسبب قوانين الأحوال الشخصية (القوانين التمييزية التي تنظم كل جانب من جوانب حياة المرأة مثل التعليم والعمل والزواج والطلاق والأطفال)، وحرية التنقل والوصول إلى الموارد - مما يجعل أجساد النساء وحياتهن تحت سلطة القادة الدينيين، وهم جميعهم من الرجال.

لا مكان للتشريع الرجعي في لبنان الجديد. حيث أظهرت الأبحاث أن فرص دولة ما في تحقيق السلام والازدهار والتقدم لا تعتمد على الحكومة أو على الاقتصاد - بل تعتمد على كيفية معاملة الدولة لنسائها.

إن زيادة الاستثمار الاجتماعي في الصحة والتعليم ضروري لاستعادة لبنان قوتها، كما هي حال الجهود المبذولة لدعم المرأة من أجل دخول الاقتصاد. عندما يتم توظيف النساء، تصبح الأسر والمجتمعات والبلدان أفضل وأكثر صحة وأكثر قوة. فقد أدركنا هذا بعد عقود من الخبرة. حان الوقت للقيام بذلك الآن.

لبنان مليء بالمساحات الخاصة والمحظورة – بدءًا من تلك الخاصة بالسلطة القائمة وصولًا إلى الحدائق. وإن الهدف من المدينة النسوية هو أن تكون مبنية على مبدأ سهولة الوصول إلى أرجائها بالإضافة إلى المساحات المفتوحة والموارد العامة والاعتراف المشترك بقيمة المدينة كموطن للجميع. هذا يستلزم وجود النقل العام والمتنزهات والأسواق العامة والقدرة على أن يكنّ آمنات في أي مكان وفي أي وقت - بغض النظر عن اللون والطبقة والجنسية والميل الجنسي.

هنا أيضا، تأتي أهمية تمثيل النساء والفتيات. يجب أن نعترف ونحتفي بمساهمات النساء في لبنان عبر التاريخ من خلال تكريمهن بالتماثيل والنصب التذكارية التي تمثل عملهن وتظهر احترامنا للنماذج المتنوعة التي يحتذى بها. سيكون لهذا تأثير لافت على الفئة الشابة، لكي يشعرن بالأمان، ويعيشن في بلدٌ حيث يتقدمن فيه في السن وهن سعيدات، بدلًا من بلد حيث يدفع بهن للهروب منه.

بعد شهر على الانفجار، يعيد الأفراد والمجتمعات البناء لأنفسهم. سيصبح هذا الحدث، مثل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حدثًا في السياق الزمني، وخطًا فاصلًا يفصل بوضوح بين الحياة قبل انفجار بيروت والحياة بعد الانفجار. يجب أن نبني الآن لبنان الذي يعامل الجميع على قدم المساواة، لبنان الذي يحتفل بتنوعه ويعزز عدم تخلف أحد خلف الركب.

وللقيام بذلك، دعونا نبدأ بالنساء، فهذا مطلبهن. إن المرأة هي وجه - وقوة - تعافي لبنان وقدرته على الصمود. لقد خذلت القيادة الذكورية في لبنان شعبها ولذلك، لقد حان الوقت أخيرًا لكي يسمح لبنان للنساء بالنهوض من تحت الرماد.