من موقعي هذا: "لم يكن السجن تجربة سهلة، لكني تمكّنت بفضل هذا الدعم، من تجاوز الصدمة."

التاريخ:

حصلت المتدربة أمل السيّد على ماكينة خياطة في أعقاب انتهاء تدريبها. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصور.

ظنّت أمل السيّد، 26 عامًا، أنها لن تتعافى أبدًا من الصدمة والوصمة الناجمين عن قضاء بعض الوقت في السجن. لكن ها هي تشاركنا رحلتها في البحث عن الأمل، بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشركائها، على الرغم من ماضيها المؤلم.

في عام 2015، بدأتُ مع أختي بيع الملابس في مدينة طرابلس للمساعدة في إعالة أسرتينا، وكان هذا العمل ناجحًا للغاية. في وقت من الأوقات، قمنا بتوظيف شابة لترافق أختي خلال شراء البضاعة والحال انها بدأت في السرقة من تجار الجملة. لم تدرك شقيقتي حجم هذه الجريمة، فآثرت غضّ الطرف. في النهاية تم القبض عليّ وعلى أختي، بالرغم من أني لم أفعل شيئًا. تمت محاسبتي على عدم الإبلاغ عن السرقة. في أوائل عام 2017، سُجنّا لمدة سبعة أشهر، ثم أُطلق سراحنا بكفالة.

لم يرحمنا المجتمع. شعر زوجي في ذلك الوقت بإحراج كبير لدرجة أنه هجرني ورفض السماح لولديّ بزيارتي في السجن. قاطعتني عائلته بشكل كامل أيضاً. عانيت الاكتئاب في السجن وكنت أبكي كل يوم، أصبتُ بحال من الصدمة لأنني فقدت كل شيء. آنذاك، كانت ابنتي في السابعة من عمرها، أما ابني ففي الخامسة من العمر. أصبتُ بالكآبة إلى حدّ أني توقّفت عن الأكل والشرب، مما دفع زوجي في النهاية إلى إحضار أولادي لرؤيتي.

عندما خرجت من السجن اكتشفت أن زوجي باع أغراضي الشخصية كافة باستثناء ملابسي التي وضّبها في حقيبة وأرسلها إلى منزل والديّ. بعد الكثير من المناقشات، وافق على رجوعي إلى المنزل وفق شروط صارمة ومقيدة. وافقت على جميع شروطه ذلك أنني أردت أن أكون إلى جانب ولديّ لكن الإقامة معه كانت صعبة للغاية. كنا نعيش تحت سقف واحد مع والديه. نظرا إليّ بإزدراء وعاملاني كما لو كنت أقل من لا شيء، بدءاً من تعليقاتهم السيئة وصولاً إلى إخفائي في غرفة كلما أتى زائرون وزائرات، تم تذكيري كل يوم بأني كنت في السجن وأنه يجب أن أشعر بالذنب. قررت أخيرًا المغادرة لأني لم أعد أستطع تحمّل معاقبته لي ومعاقبة عائلته لي أيضاً، وفي عام 2019، تزوجت من رجل دعمني في مساري نحو التعافي ولم يحكم عليّ بسبب ماضي. كانت أختي أول شخص يخبرني عن البرنامج التدريبي الذي وفرته "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل" لكن زوجي كان مترددًا خوفًا من إن ذلك سيجعلني استرجع الذكريات المؤلمة. عندما علمنا أنني سأحصل على شهادة مهنية في نهاية التدريب، قام بتشجيعي.

كانت تجربة التدريب استثنائية بالنسبة لي. على الرغم من أن بعض الوقت كان مرّ على خروجي من السجن، لكني كنتُ ما زلت أشعر بوصمة العار؛ لقد أصبحت بسبب السجن خجولة ومنعزلة، وتجنّبت التجمعات الاجتماعية قدر الإمكان. بدأت بحضور جلسات الدعم النفسي والاجتماعي، ثم تلتها دروس الخياطة. شعرتُ بارتياح عاطفي وجسدي في كلا التدريبين، وجعلاني أشعر بالقوة أيضاً. لم أعد أرغب في الانفصال عن محيطي ولم أعد أشعر بالخجل من ماضي.

في بداية التدريب، لم أتمكن من مواكبة كل شيء علّمتنا إياه المدرّبة، ولكن من خلال دعمها وإصرارها، تمكّنّا من تعلم كيفية خياطة الأقنعة والسراويل وجميع أنواع الملابس. بفضل المساعدة النقديّة مقابل العمل التي تلقيتها فضلاً عن آلة الخياطة التي مُنحنا إياها في نهاية التدريب، بتّ مستعدة للبدء بصنع الملابس بمفردي. الآن آمل أن أتمكن من توفير المساعدة لإعالة عائلتي.

لم يكن السجن تجربة سهلة، لكن بفضل هذا الدعم، تمكنت من تجاوز الصدمة. لقد سمحت لي الشهادة ولزميلاتي المتدربات بإثبات أنفسنا وجعلتنا نشعر بأنه يمكن أن نكون أكثر من مجرد سجينات سابقات مدانات."



 

اشتركت أمل ببرنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي يستهدف السجينات الحاليات والسابقات في لبنان، والذي تم تنفيذه بالشراكة مع "الجمعية اللبنانية للإصلاح والتأهيل" - وهي منظّمة غير حكومية مقرها طرابلس- وبفضل دعم سخي من حكومة اليابان.

يدعم البرنامج إعادة تأهيل السجينات وعملية انتقالهن من السجن إلى المجتمع. يتضمّن التدريب جلسات دعم نفسي واجتماعي في   بالإضافة إلى تدريب على المهارات في الخياطة والطبخ. في نهاية التدريب الذي استمر ستة أشهر، تم تزويد المتدربات بالمعدات اللازمة لتمكينهن من إطلاق أعمالهن التجارية الخاصة.

يهدف برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى دعم السجينات السابقات في لبنان لدخول سوق العمل واستئناف حياتهن، الأمر الذي قد يكون صعبًا على نحو خاص على السجينات أو السجينات السابقات اللواتي يواجهن التمييز نتيجة سجنهن ووسط الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث ارتفع معدل بطالة النساء من 14.3٪ قبل الأزمة إلى 26٪ بحلول أيلول/سبتمبر 2020، وفقًا لدراسة حديثة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

تبيّن قصة أمل أهمية تحقيق هدف التنمية المستدامة الخامس حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى الحد من أوجه عدم المساواة في الدخل وتلك القائمة على العمر أو الجنس أو الإعاقة أو العرق أو الإثنية أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك.