الشابات والشباب في طليعة الاستجابة وإعادة البناء بعد انفجاري بيروت

فيما يسير العمل الإنساني في بيروت على قدم وساق بعد الانفجارين اللذين حدثا في المدينة في 4 آب/ أغسطس، والذي أسفر عن مقتل المئات وتشريد أكثر من 300 ألف شخص، وفي موازاة ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19، قام الشباب والشابات في لبنان بالنزول إلى الشوارع،أخذًا في الاعتبار الإجراءات الوقائية اللازمة مثل إرتداء الكمامة وذلك لإطعام ومساعدة الأشخاص الأكثر احتياجًا.

التاريخ:

صورة لبعض المتطوعون والمتطوعات من الفئة الشابة في أثناء الطهي وإعداد وجبات الطعام للعائلات المتضررة من انفجار بيروت في "مطبخ ماريو"، في سن الفيل، بيروت. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور- رمزي حيدر

لا تزال لمى نجدي مصدومة بسبب ما شاهدته في أعقاب انفجاري بيروت: بصمات يدّ ملطخة بالدماء على جدران أحد المباني المتضررة فضلًا عن دمار تام للحياة. لحسن الحظّ، بعد ظهر يوم 4 أب/أغسطس، كانت لمى في حي بعيد عن المرفأ حيث وقع الانفجار.

تعمل خريجة المدرسة الثانوية البالغة من العمر 17 عامًا كمتطوعة مع إحدى المنظمات المعنية بالإغاثة من الجوع تدعى "فودبلسد". وبالتعاون مع القيادات الشبابية، تقوم لمى بطهي 400 وجبة ساخنة كل يوم، والتي يتم توزيعها على المناطق المتضررة من الانفجار. تقول لمى " أرى الأمور بصورة مختلفة الأن،  ... أدركت بعد واقعة الانفجار أن رد الجميل لمجتمعي أمر مهم بالنسبة لي ويشعرني بالرضا".

لمى نجدي هي واحدة من العديد من الشابات التي تقدمت لطهي وجبات الطعام للعائلات المتضررة من تفجيري بيروت. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور- رمزي حيدر

لمى من ضمن مجموعة من 15 شابة متطوعة تعمل في سن الفيل، بيروت، وانضم إليهن 15 شابًا يقومون بالطهي أيضًا، ويتحدّون الأدوار والصور النمطية القائمة على النوع الاجتماعي.

تفاجأت مايا ترّو، وهي المؤسسة الشريكة والمديرة التنفيذية لـ"فودبلسد"، بالعدد الكبير من المتطوعين الذكور الذين شاركوا  في  القيام بالادوار التي لا يزال يعتبرها المجتمع في لبنان "أدورًا نسائية" - مثل الطهي والتنظيف. تقول مايا "نرى اليوم متطوعون من الذكور يقومون بأعمال الطهى مثل تقطيع الخضروات على الرغم من عدم خبرتهم في المطبخ ولكنهم وقفوا لمساعدة بلادهم على الصمود وتطوعوا للتعلم والطهي للعائلات المتضررة من الأزمة".

في منطقة سن الفيل، في بيروت، هناك مطهى لتقديم الطعام يسمى "شو طابخة مام؟" (ماذا طبخت أمي؟) وقد وضع صاحب المشروع مطبخه في تصرف "فودبلسد" سبعة أيام في الأسبوع لإعداد وجبات الطعام للأسر النازحة والمتضررة من الانفجارين.

ميساء كرنيب، 16 عامًا، تعمل أيضًا على نحو تطوعي كل يوم منذ الانفجار. حيث تساعد في جهود التنظيف المجتمعية، إلى جانب الطهي والتوضيب وتوزيع الحصص الغذائية. كانت ميساء في منزلها في إحدى ضواحي بيروت، على بعد حوالي 9.9 كيلومترات (6.15 ميل) من المرفأ عند وقوع الانفجار. تتذكر ميساء قائلة: "اهتزت الشقة بأكملها وتساقط الغبار من السقف. لقد كان أمرًا مرعبًا للغاية". 

بعد الانفجار مباشرة، قدمت ميساء المساعدة في تنظيف المنازل المتضررة. "في المكان، كان هناك صور ورسائل حب واستمارات للالتحاق بالجامعة وأوراق الفروض المنزلية وفواتير كهرباء... كلها أشياء ذكرتنا بأن سكّان هذه المنازل عاشوا فيها حياة عادية."

لكن الحياة في بيروت الآن غير عادية. أسفر التفجيران عن مقتل أكثر من 180 شخصًا، وإصابة أكثر من 6000 شخص. وفقد نحو 300 ألف شخص منازلهم. قبل الانفجار، كان النظام الصحي في لبنان يعاني بالفعل من ضغوط بسبب ارتفاع حالات فيروس كوفيد-19. وعلاوة على ذلك، تسبب الانفجار في إغلاق 3 مستشفيات رئيسية، في الموازاة  تمّ تقييم أكثر من 50٪ من مراكز الرعاية الصحية في المدينة واعتبرت غير قادرة على العمل، كل ذلك في حين تخضع المدينة للإغلاق الإلزامي بسبب ارتفاع حالات فيروس كوفيد-19.

ورغم ذلك، فإن الأزمة جمعت الناس، وأيقظت إحساسًا بالمسؤولية المدنيّة وتحقيق الأهداف وسط الشابات والشباب. تعتقد كرنيب أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا رئيسيًا في تشجيع الشابات والشباب على تقديم المساعدة. تم تنسيق جهود الإغاثة ونشر العرائض إلى حد كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تنظيم المناقشات لزيادة الوعي حول ما يحدث في المجتمعات.

وحتى قامت الأشخاص الناجية من الأزمة والتي أسفر الانفجار بالكثير من الخسائر لهم/لهن بالسعي إلى المساعدة بقدر الامكان. كانت ريتا الحلبي، 19 عامًا، على بعد 2.5 كيلومتر من مرفأ بيروت عندما هز الانفجار المدينة. كانت في السيارة في رفقة أختها عندما أحسّت كأن أذنيها انفجرتا ورأت المدينة تتدمّر. أصبح متجر السجاد الذي يملكه والدها عبارة عن كومة من الركام، لكنها تشعر بالامتنان لأنه لم يكن في المتجر في أثناء الانفجار.

بالرغم من معاناتها من صدمة نفسية، صمّمت الحلبي على مساعدة الآخرين، وهي تطوّعت لطهي وجبات الطعام مع "فودبلسد" أيضًا. أنهت للتو سنتها الجامعية الأولى في إدارة الفنادق وكانت تستعد لبدء وظيفة في أحد المطاعم في الجميزة. لكن انفجار آب/أغسطس ادى إلى تدمير المطعم.

صرحت رئيسة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، راشيل دور-ويكس قائلة، من المهم التأكد أن جهود الإغاثة والإنعاش في بيروت لا تتصدى فقط لنقاط الضعف الخاصة واحتياجات النساء والفتيات، بل تعزز قيادتهن ومشاركتهن أيضًا. وأضافت قائلة " إن النساء – النساء الشابات - نزلن إلى الشوارع وهنّ يُعدن بناء بيروت الآن. يظهر هذا العمل التطوعي مشاركة والتزامًا مدنيًا مذهلًا، ومع إعادة بناء بيروت، يجب الاعتراف بذلك ويجب دعم النساء لتولي أدوار قيادية في عملية إعادة الإعمار".

تنضمّ الأمم المتحدة وشركاء المجتمع المدني إلى هيئة الأمم المتحدة للمرأة في دعم جهود الإغاثة، وإعداد عمليات تدقيق السلامة في الأحياء ونشر الفرق المتنقلة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. يشارك صندوق الأمم المتحدة للسكان، بصفته شريكًا وثيقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بشكل كامل في الاستجابة التي تلت انفجار بيروت من خلال توفير التدخلات المنقذة لحياة النساء الحوامل والنساء اللواتي بلغن سن الإنجاب، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، والحد من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي ضمن المجتمعات المتضررة، وتوزيع الآلاف من المستلزمات الصحية للنساء (مع مستلزمات أساسية أخرى) من خلال شبكة تثقيف الأقران. "ولايتنا فريدة لأنها تهدف إلى الاستثمار في إمكانات الفئة الشابة- وخاصة الشابات - ويؤتي ذلك ثماره من خلال هذه المجموعة المذهلة من الفئة الشابة الملتزمة والمميزة والمهتمة والمسؤولة التي تشكل مستقبلًا أفضل للشابات والشباب ولوطنهم" تقول أسمى قرداحي، مديرة صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

للتعرف على المزيد حول عمل صندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان في أعقاب انفجاري بيروت.