خطاب د. مُعز دريد، المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، في الجلسة الافتتاحية للحوار الإقليمي رفيع المستوى حول "تطوير خارطة طريق إقليمية لاقتصاد الرعاية في المنطقة العربية"- الأردن عمان، 18 فبراير/ شباط 25
التاريخ:
معالي الوزيرة وفاء بني مصطفى، وزيرة التنمية الاجتماعية ورئيسة اللجنة الوزارية لتمكين المرأة في المملكة الأردنية الهاشمية
معالي سفيرة السويد لدى المملكة الأردنية الهاشمية، ماريا سارجرين،
معالي الأستاذة الدكتورة فاديا كيوان، المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية،
معالي الأستاذة أنيت فانك، ممثلة الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ،
صاحبات وأصحاب المعالي، السيدات والسادة،
صباح الخير ومرحباً بكم في هذا الحوار الإقليمي رفيع المستوى حول "تطوير خارطة طريق إقليمية لاقتصاد الرعاية في المنطقة العربية"، الذي تنظمه منظمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، برعاية وزارة التنمية الاجتماعية في المملكة الأردنية الهاشمية، وبالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ومنظمة العمل الدولية.
وأود أن أعرب عن بالغ شكري إلى معالي الوزيرة وفاء بني مصطفى على استضافة هذا المؤتمر الإقليمي وعلى قيادتك الرفيعة المستوى ومشاركتك القيمة والدعم الكبير الذي قدمتيه لإنجاح هذا الحدث.
وأعرب عن بالغ امتناني للدكتورة فاديا كيوان على قيادتك الحكيمة في تنظيم هذا المؤتمر وعلى الشراكة المتينة التي تربط منظمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في المنطقة العربية للعمل في مجالات استراتيجية رئيسية مثل اقتصاد الرعاية، وإشراك الشباب، والعمل مع الجامعات.
وأتوجه بجزيل الشكر إلى معالي سفيرة السويد، ماريا سارجرين، والسيدة أنيت فانك على مشاركتكما القيمة في هذا المؤتمر، وعلى الشراكة المتينة التي تجمعنا. كما أُعرب عن تقديري الكبير للدعم المالي الذي قدمته السويد وألمانيا لهذا المؤتمر الإقليمي وللبرنامج الإقليمي "تَقدِر".
وأود أيضاً أن أعرب عن خالص شكري لمعالي المهندسة مها علي، الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، ولمعالي الدكتورة حورية الطرمال، وزيرة الدولة لشؤون المرأة في دولة ليبيا، ولصاحبات وأصحاب المعالي، ولممثلات وممثلي الحكومات العربية، والقطاع الخاص، والنقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، على مشاركتهم القيمة في هذا المؤتمر المهم.
وأود أن أتقدم بجزيل شكري للزميلات والزملاء من الإسكوا ومنظمة العمل الدولية على الشراكة الرائعة في هذا المؤتمر وغيره.
صاحبات وأصحاب المعالي، السيدات والسادة،
يهدف هذا المؤتمر الإقليمي المهم إلى تعزيز الجهود المبذولة في منطقة الدول العربية بشأن اقتصاد الرعاية، والبدء في وضع خطط عمل جماعية على المستوى الإقليمي. ويأتي هذا المؤتمر استكمالاً للجهود الكبيرة التي بذلها الكثير منكم في هذا المجال، ولا سيما الأساس المتين الذي وضعه المؤتمر الدولي لاقتصاد الرعاية والحماية الاجتماعية، الذي نظّمته المملكة المغربية في حزيران/يونيو من العام الماضي، بمشاركة أكثر من 500 من ممثلي الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني.
يجمع هذا الحوار السياسي الممتد على مدار يومين كبار الخبراء على المستويين العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى الخبراء الوطنيين في مجال اقتصاد الرعاية. وأتمنى بكل صدق أن تسهم جلسات هذا المؤتمر وحلقات النقاش في التشجيع على وضع خطة عمل إقليمية بشأن اقتصاد الرعاية، تتضمن اتخاذ إجراءات ملموسة من الحكومات، والقطاع الخاص، والنقابات العمالية، وأصحاب المصلحة الآخرين.
إن اقتصاد الرعاية أصبح بالفعل في صدارة أولويات أجندة المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة على مستوى العالم وفي منطقتنا خلال العقدين الأخيرين. وما زلنا نحث بشكل متزايد على ضرورة إحداث تحول جذري في السياسات والتفكير الاقتصادي، حيث لم تعد الرعاية مجرد سلعة أو اختيار شخصي أو التزام عائلي، بل يجب أن نراها كما هي: منفعة عامة تحقق فوائد تتجاوز الأفراد المتلقين للرعاية، لتعود بالنفع على المجتمعات بشكل عام وتساهم في تحقيق مكاسب مستقبلية. وفي هذا السياق، يجب أن تنتقل المجتمعات من استغلال عمل المرأة غير المدفوع أو المدفوع بأجر زهيد، إلى المشاركة الجماعية في تحمل تكلفة توفير رعاية عالية الجودة للجميع. كما يجب أن يحصل جميع العاملين في قطاع الرعاية على أجر متساوٍ عن العمل ذي القيمة المتساوية، مع إعادة تعريف القيمة للاعتراف بالمساهمات الاجتماعية، بدلاً من مجرد المكافآت القائمة على السوق.
وكما نعلم، تتنوع أعمال الرعاية وتشمل مجموعة من الأنشطة المتداخلة التي قد تكون مدفوعة أو غير مدفوعة الأجر. ويُعتبر الجزء الأكبر من هذه الأعمال على مستوى العالم غير مدفوع الأجر، وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر منها. ووفقاً لبيانات عالمية صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تؤدي النساء — ولا سيما من الفئات ذات الدخل المنخفض، والمهاجرات، والمجموعات المصنّفة على أساس العرق — ثلاثة أرباع أعمال الرعاية والأعمال المنزلية غير المدفوعة الأجر على مستوى العالم[i].
وعلى الصعيد العالمي، إذا حُددت قيمة نقدية للعمل غير المدفوع الأجر الذي تؤديه المرأة، فإنها قد تتجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان، وذلك وفقاً لتقديرات متحفظة قدمتها منظمة العمل الدولية.[ii]
من ناحية أخرى، تتحمل المرأة في كثير من الأحيان أعمال الرعاية المدفوعة الأجر، وغالباً ما تكون من الفئات المحرومة اجتماعياً مثل المهاجرات، وكثيراً ما ترتبط هذه الأعمال بتفاوت كبير في الأجور بين الجنسين وظروف عمل غير ملائمة.
إننا نواجه تحديات خاصة تتعلق باقتصاد الرعاية في منطقتنا بسبب الأزمات والنزاعات والحروب التي تعصف بالعديد من البلدان. وجدير بالذكر أنه في ظل الأزمات، تصبح الأعمال غير المدفوعة أو المدفوعة بأجور منخفضة التي تضطلع بها النساء والفتيات بالغة الأهمية لسد الفجوات في الخدمات العامة الأساسية والحماية الاجتماعية، خصوصاً في المجتمعات التي تعاني محدودية الهياكل الأساسية للصحة والرعاية.[iii] وتتفاقم هذه التحديات بشكل خاص أثناء النزاعات والأزمات الإنسانية، حيث تزداد الاحتياجات إلى الرعاية في الوقت الذي تتدهور فيه خدمات الرعاية الرسمية وشبكات الرعاية غير الرسمية في الأسر والمجتمعات.[iv] وتشير البيانات العالمية إلى أن النساء في البيئات الهشة والمتضررة من النزاعات يقضين نحو أربعة أضعاف الوقت اليومي في مهام الرعاية غير المدفوعة مقارنة بالرجال.[v]
ويسعدني أن أؤكد لكم أنه سيكون لدينا جلسة مخصصة غداً ستُركز على هذا الموضوع تحت عنوان "الرعاية في أوقات الصراع والأزمات الإنسانية في المنطقة العربية".
صاحبات وأصحاب المعالي، السيدات والسادة،
تشير البيانات الرسمية التي وثقتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة[vi] إلى أنه لا يزال يتعين بذل جهود كبيرة للحد من عدم المساواة بين الجنسين في المنطقة العربية فيما يتعلق بأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، إذ لا تزال النساء يقضين ساعات أطول من الرجال في أداء مهام الرعاية غير المدفوعة: إذ تعمل النساء ما بين 17 إلى 34 ساعة أسبوعياً في مهام الرعاية غير المدفوعة، مقارنة بساعة إلى 5 ساعات يقضيها الرجال في نفس المهام، وفقاً لكل بلد.[vii]
وينبغي ألا يغيب عن بالنا أن الرجال والفتيان تقع عليهم مسؤولية كبيرة في هذا السياق. وتشير الأدلة العالمية، بما في ذلك من المنطقة العربية إلى[viii] أن مشاركة الرجال في أعمال الرعاية وتقاسم المسؤوليات المنزلية بين الجنسين تشكل عنصراً أساسياً في بناء عائلات ومجتمعات تتمتع بالصحة والازدهار. وتشير بيانات صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشركائها[ix] إلى أن مشاركة الأب في أعمال الرعاية تسهم في تعزيز تمكين النساء والفتيات، فضلاً عن تحسين الصحة البدنية والنفسية للأطفال. كما يمكن أن تساهم في تطورهم المعرفي وزيادة معدل التحصيل التعليمي، وتقليل انتشار العنف ضد النساء والأطفال. من جانب آخر، أظهرت الأبحاث أن الرجال يستفيدون أيضاً من زيادة مشاركتهم في أعمال الرعاية، إذ يؤدي ذلك إلى تحسين صحتهم البدنية والنفسية.
واسمحوا لي أن أشير إلى أكثر 60 في المائة من ثمانية آلاف رجل شملهم استبيان أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس، يرغبون في الحصول على إجازة أبوة أطول وقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم.[x]
منذ العام الماضي، حققت المنطقة العربية تقدماً ملحوظاً في إشراك الرجال والفتيان في جهود المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، لا سيما في زيادة مشاركة الرجال في رعاية الأطفال. ويتضمن هذا التقدم تنفيذ بعض الإصلاحات القانونية التي تدعم إجازة الأبوة في عددٍ من البلدان، مثل المغرب والأردن ومصر وفلسطين وعمان وتونس. وعلى الرغم من أن هذه القوانين المعدلة قد لا تتوافق تماماً مع أفضل الممارسات العالمية — والتي تدعو إلى منح إجازة أبوة مدفوعة بالكامل وبمدد مماثلة وغير قابلة للتحويل — إلا أنها تمثل خطوات مهمة ومتدرجة نحو إقرار إجازة أبوة أكثر فعالية وتوازناً في المنطقة.
لكن إجازة الأبوة وحدها لا تكفي لتحقيق توزيع عادل لأعمال الرعاية غير المدفوعة. نحن بحاجة إلى مشاركة فعّالة من القطاعين العام والخاص في الاستثمار في اقتصاد الرعاية، بهدف توسيع خدمات الرعاية وهياكلها الأساسية، وتوفير المزيد من فرص العمل، فضلاً عن ضمان توفير وظائف لائقة في هذا القطاع. فهذا يتطلب نهجاً يشمل المجتمع بأسره.
واسمحوا لي أن أؤكد أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تعمل بالتعاون مع كثيرين منكم، بما في ذلك الدول العربية الأعضاء، والقطاع الخاص، والمؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى الجهات المعنية الرئيسية الأخرى، من أجل زيادة فرص توظيف المرأة في ثلاثة قطاعات اقتصادية رئيسية في المنطقة، وهي اقتصاد الرعاية، والاقتصاد الأخضر، واقتصادات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وفي ختام كلمتي، أود أيضا أن أعرب مجدداً عن شكري العميق لكل واحد منكم على مشاركتكم القيمة في هذا المؤتمر. إننا بحاجة إلى مشاركتكم الفعالة في إيجاد الموارد المالية اللازمة وتنفيذها ورصدها وتخصيصها من أجل وضع خارطة طريق إقليمية للنهوض باقتصاد الرعاية وتعزيزه في منطقتنا بشكلٍ فعال.
شكراً جزيلاً لكم.
_____________________________
[i] UN Women, Forecasting time spent in unpaid care and domestic work: Technical brief, 2023. Available at: https://www.unwomen.org/sites/default/files/2023-10/technical-brief-forecasting-time-spent-in-unpaid-care-and-domestic-work-en.pdf
[ii] Measuring unpaid domestic and care work - ILOSTAT. Available at: https://ilostat.ilo.org/topics/unpaid-work/measuring-unpaid-domestic-and-care-work/
[iii] Women in Global Health. (2022).
[iv] Fatma Osman Ibnouf. (2020).
[v] OECD. (2022).
[vi] UN Women (2020). The Role of the Care Economy in Promoting Gender Equality: Progress of Women in the Arab States 2020. Available online here.
[vii] UN Women. (2020). Whose time to care? Unpaid care and domestic work during COVID-19. UN Women.
[viii] وهي: تقارير حالة الآباء في العالم (2023 و2021 و2019)؛ والدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين (IMAGES) التي أجريت في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين (2017)؛ والدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في تونس (2022)؛ والدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الأردن (2022).
[ix] المرجع نفسه.
[x] International Men and Gender Equality Survey (IMAGES) conducted in Egypt, Lebanon, Morocco and Palestine (2017); IMAGES Tunisia (2022); and IMAGES Jordan (2022).