خطاب: الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، يجب أن نسعى إلى تحقيق السلام
إحاطة مقدمة من السيدة سيما بحوث، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في جلسة مجلس الأمن رقم 9484 التي عقدت في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في مقر الأمم المتحدة بشأن "الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين"
التاريخ:
]كما ورد[
السيد الرئيس..
أود أن أتوجَّه بالشكر لك سعادة السفير تشانغ جون على الجهود الرائعة لإبقاء الضوء مسلطاً على الوضع في غزة خلال فترة رئاستكم لمجلس الأمن. كما أتقدم بالشكر لسعادة السفيرة نسيبة (الإمارات)، والسفيرة فرايزر (مالطا)، على الدعوة إلى عقد هذا الاجتماع، ولأعضاء مجلس الأمن على إتاحة هذه الفرصة لي لإحاطتكم حول الوضع الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
لقد عُدت أمس من زيارة إلى مصر والأردن، التقيت خلالها أعضاء في الحكومتين، وشركاء المجتمع المدني، والعاملات والعاملين في المجال الإنساني، والمتطوعات والمتطوعين، الذين يعملون بلا كلل للاستجابة لمعاناة أهالي غزة وإنهاء الأزمة. وأُشيد بجهود الجميع لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها. وأُرحب بالأنباء التي تفيد بأنه سيتم إطلاق سراح 50 رهينة، جميعهم من النساء والأطفال، مقابل إطلاق سراح 150 امرأة وطفلًا فلسطينيًّا، وهدنة إنسانية مطلوبة بشدة. وأشكر حكومات قطر ومصر والولايات المتحدة على تيسير التوصل لهذا الاتفاق.
كلي أمل أن تكون هذه بداية هدنة دائمة، ومصدر راحة مستمرة لأهالي غزة ولجميع الرهائن المحتجزين لدى حماس.
لقد شهدنا 6 جولات من العنف في غزة في السنوات الـ 15 الماضية. لكن ما يُجبر الناس في غزة على تحمله أمام أعيننا هذه المرة من شراسة وتدمير، قد وصل إلى درجة لم نشهدها من قبل.
لقد كانت إحاطاتي لكم متسقة دوماً، حيث حرصت على التذكير بأن النساء والفتيات يدفعن الثمن الأكبر في النزاعات.
قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان 67 في المائة من مجموع المدنيين الذين قُتلوا في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية من الرجال، وكان أقل من 14 في المائة منهم من النساء والفتيات. منذ ذلك التاريخ، تغير هذا الواقع، فعدد القتلى من المدنيين لم يتضاعف فحسب مقارنة بمجموع عددهم في الـ 15 سنة، بل إن التقديرات تشير إلى أن 67 في المائة من القتلى في غزة الذين يزيد عددهم عن 14,000 قتيل هم من النساء والأطفال.
ذلك يعني مقتل اثنتين من الأمهات كل ساعة، وسبعة نساء كل ساعتين. نحن ننعاهن جميعاً بكل حزن.
كما ننعى أيضًا فقدان أكثر من 100 زميلة وزميل في الأمم المتحدة، قُتلوا خلال شهر واحد فقط منذ بدء الأزمة. لقد خدموا جميعاً ولاية الأمم المتحدة، وتمسكوا بمبادئها التي أقسموا على الحفاظ عليها، ودفعوا أرواحهم ثمنًا لذلك.
وعلى الرغم من إدراكهم للمخاطر التي تواجههم، إلا أنهم عملوا وفقًا لما يؤمنون به، حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، سواء في المدارس أو المستشفيات أو أينما كانت هناك حاجة إليهم. وطوال هذه الأزمة وما بعدها، ستظل ذكراهم حية في قلوبنا.
لقد مر 47 يومًا على الهجوم الذي شهدته إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي قُتل فيه 1,200 شخص، كثير منهم من النساء والأطفال. وكل يوم يمر يمثل 24 ساعة جديدة من الشعور المروع بالخوف وعدم اليقين، بما في ذلك بالنسبة للنساء والفتيات المحتجزات رهائناً لدى حماس. وما زلت أواصل الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين.
لقد مر كذلك 47 يومًا، أمضى فيها أكثر من مليوني فلسطينية وفلسطيني في غزة كل لحظة وهم يخشون على حياتهم، وينعون موتاهم، ويعيشون في ظروف من شأنها أن تتسبب في انهيار أي واحد منا.
فقدت آلاف النساء في غزة منازلهن، حيث إن 45 في المائة من المساكن دُمرت أو تضررت.
وأُصيبت آلاف من النساء، ولم يتمكنَّ من الحصول على أي مساعدة طبية، في ظل نظام صحي محطم تمامًا.
180 امرأة تنجب أطفالًا كل يوم بدون ماء، ولا مسكنات، ولا تخدير أثناء العمليات القيصرية، وبدون كهرباء لتشغيل الحاضنات، ولا إمدادات طبية. ومع ذلك، يواصلن رعاية أطفالهن، وكذلك رعاية المرضى وكبار السن، ويضطررن إلى تحضير الحليب لأطفالهن مستخدماتٍ مياه ملوثة، ويحاولن البقاء بدون طعام حتى يتمكن أطفالهن من البقاء على قيد الحياة، ويتحملن العديد من المخاطر في الملاجئ شديدة الاكتظاظ. لقد سُلبت منهن سبل العيش والأمن والكرامة.
وقد أخبرتنا نساء غزة، أن دعاءهن هو من أجل السلام، وإن لم يتحقق السلام، فإن دعاءهن يكون أن يمتن بشكل سريع، أثناء النوم، وأطفالهن في أحضانهن. إنه لعار كبير علينا جميعًا أن تدعو أي أم، في أي مكان، بهذا الدعاء.
قبل التصعيد الحالي، كانت هناك 650,000 امرأة وفتاة في أمَسِّ الحاجة إلى المساعدة الإنسانية في غزة. والآن، ارتفع عددهن إلى حوالي 1.1 مليون امرأة بحسب التقديرات، بما في ذلك ما يقرب من 800,000 امرأة نازحة داخلياً. وبينما تثير حالة النساء والفتيات في غزة قلقًا كبيرًا لدينا بسبب إلحاحها وحتمية اتخاذ إجراءات تجاهها، نشهد تصعيدًا في الضفة الغربية، حيث يجري هدم البنية التحتية العامة، وإلغاء تصاريح العمل، فضلاً عن زيادة عنف المستوطنين، وعمليات الاعتقال، ممَّا كان له تأثير كبير على حياة النساء وأحوالهن المعيشية.
إنني أشعر بالانزعاج من التقارير المقلقة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي. وأكرر النداء الذي أطلقته آخر مرة تحدثت فيها في هذا المجلس، في تشرين الأول/أكتوبر، بأن كل عمل من أعمال العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الجنسي، يجب إدانته إدانة صريحة، وإعطاء الأولوية لإجراء تحقيقات كاملة.
وأنا مطمئنة لسماع أن الممثلة الخاصة للأمين العام (الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع)، السيدة باتن، قد فعَّلت شبكة عمل الأمم المتحدة التي ترأسها للمبادرة بمشاركة المعلومات التي مصدرها الأمم المتحدة حول حوادث العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والأنماط المرتبطة بها للمساعدة في جميع التحقيقات.
وإنني على ثقة بأنه في نهاية المطاف ستتم المساءلة على جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في هذا النزاع. وفي هذا الصدد، يكتسب عمل لجنة التحقيق المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل أهمية خاصة.
لقد أُغلق الملجآن الوحيدان للنساء في غزة. ورغم شدة القيود، تواصل المنظمات التي تقودها النساء عملها في غزة. وحيثما تعمل، تستخدم شبكاتها في الحصول على مستلزمات الطوارئ وتوزيعها وتوثيق الشواغل المتعلقة بالحماية والاستجابة لها. إنني أحيي شجاعتهن، وأؤكد الحاجة إلى ضمان حصولهن على كل ما يحتجن إليه لمواصلة عملهن البالغ الأهمية.
وستغطي خطة استجابة هيئة الأمم المتحدة للمرأة لغزة، بالتعاون مع شركائها، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، في مرحلتها الأولى، المساعدات الغذائية والنقدية لحوالي 14,000 أسرة معيشية تُعيلها النساء، أي ثلث الأسر المعيشية التي تُعيلها النساء في غزة.
سندعم الهلال الأحمر المصري، والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وسنعمل بشكلٍ عاجلٍ معهما للمساعدة في توزيع المواد التي حددتها النساء في غزة كاحتياجات ذات أولوية.
وأود أن أشيد بالموظفات والمتطوعات الكثيرات في الهلال الأحمر المصري، لخدمتهن الاستثنائية في هذه الظروف الصعبة. كما أرحب بإنشاء مستشفى ميداني أردني جديد في خان يونس، يضم بشكل خاص طواقم طبية نسائية، من طبيبات وممرضات، لأول مرة. هذه محطة هامة.
إننا نقدم دعمًا ماليًّا مرنًا للمنظمات النسائية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني، الذي أطلق نداءً جديدًا لتعبئة مبلغ إضافي قدره 10 ملايين دولار. وسندعم القيادة النسائية في المجال السياسي.
وكعادتنا، سنواصل العمل مع الهيئات والوكالات الشقيقة التابعة للأمم المتحدة، ومن خلال عضوية اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، لضمان أن تخدم الاستجابة الإنسانية النساء والفتيات على أكمل وجه. وأشكر شركاءنا في التنمية على دعمهم لنا في تنفيذ الخطة، ولكن هناك حاجة إلى تمويل أكبر بكثير.
وأشجع جميع الجهات المانحة على زيادة مخصصاتها، بما في ذلك مخصصات الأونروا، التي تظل شريان الحياة الوحيد لآلاف الفلسطينيين.
لقد اجتمعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع نساء إسرائيليات واستمعت إليهن، وقد شاركن معنا عملهن ومنظمات المجتمع المدني على توثيق الفظائع المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وكذلك أملهن في تحقيق السلام، ذلك السلام الذي يجمع النساء الإسرائيليات والفلسطينيات على الطاولة.
وخلال زيارتي (لمصر والأردن) سمعت مرارًا وتكرارًا نداءات واضحة تؤكد الحاجة إلى "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار".
كما سمعت نداءات من الشركاء في جميع أنحاء المنطقة بأن التشريد القسري أو نقل الفلسطينيين من أراضيهم هو "خط أحمر"، وأنه يجب علينا ضمان حماية المدنيين، كما يجب علينا تسهيل وصول المساعدات دون عوائق. وسمعت كذلك دعوات لإنهاء الاحتلال، وضرورة تضافر الجهود للتقدم بشكل سلمي نحو حل الدولتين.
أعتقد أنني لست الوحيدة التي تجد هذه واحدة من أصعب اللحظات بالنسبة للمجتمع الدولي والسِّلم والأمن التي يمكن تذكرها. ولكن في مثل هذه اللحظات تحديدًا يكون العمل متعدد الأطراف أكثر أهمية. هذا المجلس، وغيره من مؤسسات الأمم المتحدة، هو المكان الذي نجتمع فيه للتوصل إلى السلام. سجلنا الحافل متنوع.
إن آليات العدالة تتعرض إلى مقاومة فعلية. كما يكتسب الضغط ضد النساء والفتيات وحقوقهن زخمًا أيضًا. ويتم تجاهل ميثاق الأمم المتحدة ومعاييرنا الدولية بشكل صارخ. وبينما نتخلى عن أدوات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، فإن حجم عمليات نقل الأسلحة والقيمة السوقية لمُصنّعي الأسلحة يتصاعدان بشكل كبير.
إنني أرحب بقرار مجلس الأمن الذي صدر في الأسبوع الماضي، وآمل أن يكون بداية لتوافق أكبر في الآراء في مجلس الأمن لإيجاد حل لهذه الأزمة. وأدعو إلى تنفيذ هذا القرار فورًا. لكن هذا القرار، مثله مثل أكثر من 100 قرار بشأن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، لا يتطرق إلى قضايا النوع الاجتماعي. كما أرحب بقرار الجمعية العامة الذي صدر في 26 تشرين الأول/أكتوبر، والذي دعا إلى "هدنة إنسانية عاجلة ودائمة وممتدة تقود إلى وقف الأعمال العدائية".
أحثكم على إدماج أصوات النساء الفلسطينيات والإسرائيليات اللواتي تعملن من أجل السلام، والاعتراف بأدوارهن القيادية، وأدعو لمشاركتهن الحقيقية في أي جهود تفاوضية.
يجب أن تكون هذه الأزمة بمثابة تنبيه لنظامنا المتعدد الأطراف. فالعالم يتطلع إلينا لنعكس أسمى قيمه العُليا، وليس لنعكس أعظم إخفاقاته.
والآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، يجب أن نُخلص لميثاقنا ولإنسانيتنا المشتركة.
الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، يجب أن نرفض أولئك الذين يسعون إلى زرع الكراهية والانقسام.
الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، يجب أن نسعى إلى السلام، وأثناء ذلك، يجب أن نتذكر أن النساء ما زلن أكبر فئة موثوقة لتحقيق تلك الغاية.
والآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، يجب علينا التمسك بمبادئ العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة، ووقف الجرائم الجارية، وردع تلك التي لم تُرتكب بعد.
وأدعو إلى توسيع نطاق هذه الهدنة لتصبح وقفًا لإطلاق النار، والإفراج عن باقي الرهائن دون قيد أو شرط. كما أدعو إلى إنهاء الحصار الحالي (على غزة) فورًا، بدءًا بضمان توفير المياه.
أصحاب السعادة، اسمحوا لي أن أنهي خطابي هذا بنقل مشاعر نسمعها من نساء غزة، إذ يُشرن إلى أن المجتمع الدولي يقضي وقتًا طويلًا في تكرار الأرقام، عدد القتلى، وعدد الأطفال تحت الركام، وعدد المنازل المدمرة. ومع ذلك، تشعر النساء في غزة بالهجر التام. فهن يسمعن أن المزيد من الإغاثة الإنسانية قادمة، لكنهن يُدركن أن المساعدات لا تكفي لتلبية هذا الكم الكبير من الاحتياجات.
والأهم، تخبرنا النساء برغبتهن في أن يتوقف العنف. الآن.
من أجل النساء والفتيات، أترككم مع دعوة للعودة إلى التزام حقيقي وهادف نحو سلام عادل.
شكرًا.