الرجولة في الضفة الغربية

التاريخ:

أثناء نشاط مجتمعي نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة. الصورة: منتدى شارك الشبابي

التف عشرات من الأشخاص حول سلسلة من الصور الكبيرة المطبوعة التي عُرضت في الفناء وقتما ألقت أضواء سبتمبر الخافتة بنورها على المبني الحجري في حرم جامعة "بيت لحم"، فحظت صور لرجال من المجتمع المحلي في الضفة الغربية على اهتمام الطلاب والطالبات والموظفين/ات على حد سواء، ذلك لإنها تصور الرجال بطريقة لا نلاحظها بكثرة في المجتمع الفلسطيني: فنجد صور لرجال يلعبون مع الأطفال ويقومون بمهام الطبخ والتنظيف في المنزل. تشكل سلسلة الصور تلك معرضًا للصور تم تنفيذه ضمن البرنامج الإقليمي للأمم المتحدة "رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين".

تحدثت رتيبة أبو غوش، وهي رئيسة مجلس إدارة منتدى شارك الشبابي عن الأعمال التي يقوم بها منتدى شارك للمساهمة في تحقيق المساواة بين الجنسين: "[سابقًا] في فلسطين كنا نركز فقط على حقوق المرأة ونحاول حث الرجال على دعم النساء في نضالهن للحصول على حقوقهن ولكننا نركز الآن على قضايا الرجال والتحديات التي تواجههم ونعمل على توعيتهم بالفوائد التي ستعود عليهم من المساواة بين الجنسين."

 ومن الجدير بالذكر أن "شارك" هي منظمة غير حكومية مقرها رام الله عملت عن كثب مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تنفيذ فعاليات "رجال يروون قصصهم حول المساواة بين الجنسين"، وتعمل "شارك" مع الشباب والشابات لدعمهم ليصبحوا مواطنين ومواطنات، مشاركين وفاعلين في المجتمع والاقتصاد الفلسطيني. تهدف أنشطة "شارك" إلى تعزيز قدرة الشباب الفلسطيني على التواصل بشكل يتسم بالوضوح والإقناع مع السلطات المحلية وأصحاب المصلحة من أجل إحداث تغييرات إيجابية. كما تعد "شارك" منظمة محلية رائدة في فلسطين في دمج الرجال في برامج المساواة بين الجنسين وتقديم دورات تدريبية حول مفهوم الرجولة الإيجابية للشباب المحلي.

شرعت منظمة "شارك" أن تصب محل تركيزها على الرجال و"الرجوليات" بشكل جدي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 في الأردن، وذلك من خلال تدريب استضافته ونظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة وأجرتة منظمة "أبعاد"، وهي منظمة غير حكومية لبنانية تعمل في مجالات المساواة بين الجنسين والذكورية.

"كانت هذه هي المرة الأولى التي ننظر فيها إلى الرجوليات كنافذة يمكن من خلالها تحقيق المساواة بين الجنسين، فلقد أدركنا بعد التدريب أنه يجب علينا تغيير سياساتنا واستراتيجياتنا المتعلقة بشؤونن النوع الاجتماعي لتشمل الذكورية، فأصبحنا الآن نركز أيضًا على السلوكيات المرتبطة بمفهوم الرجولة حتى نتمكن من تغيير مفهوم الذكورية في فلسطين ليصبح وسيلة تعزز من المساواة بين الجنسين." لقد كان إعادة توجيه عمل "شارك" للتركيز على الذكورية بمثابة تقدم نوعي للمؤسسة.

وقالت رتيبة أبو غوش إنه بعد عقد تدريب ثانٍ عن الذكوريات والعمل مع الرجال والفتيان من أجل المساواة بين الجنسين في نوفمبر 2017، بدأت مؤسسة "شارك" باتباع تقنيات خاصة للعمل مع الرجال وتقابلت مع المنظمات الأخرى من جميع أنحاء العالم التي شاركت بتجاربها. كما أن "شارك" قابل منظمات تقوم بعمل مماثل بادماج الرجال والفتيان في المساواة بين الجنسين، بحتًا عن الإلهام في التحديات والحلول المشتركة في هذا المجال وذلك ضمن مشاركته في رحلات تبادل المعرفة والخبرة في ماليزيا وجنوب إفريقيا التي نظمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ضمن برنامجها الاقليمي "رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين."

أصبح المسرح بمثابة أداة تستخدمها "شارك" لإشراك الرجال والفتيان في تحدي الاتجاهات المتعلقة بالنوع الاجتماعي "لقد قمنا بضم الفتيان والرجال في المسرح المتنقل والمسرحيات التي نؤلفها ونقوم بعرضها في مدارس البنين، حيث تركز تلك المسرحيات على أفكار متعلقة ب “هوية الرجل" في فلسطين، وكيف من الممكن أن تسبب الأدوار التقليدية المنوطة بالرجال مشاكل في المجتمع وكيف أنّ كسر هذه الصورة النمطية للرجال تؤدي إلى حياة أفضل. نريد أن يدرك الصبيان أنهم يتأثرون [بعدم المساواة بين الجنسين] أيضًا. "وبعد قيام الممثلين - المكونين من طلاب وطالبات جامعيين - بعرض الاسكيتشات المسرحية ، كانوا يفتحون النقاش مع الجمهور حول المساواة بين الجنسين، والذكوريات والتغيير المجتمعي.

أجرت شارك في أغسطس سلسلة من التدريبات مع الطلبة الذكور في الجامعات مركزين بذلك على تحدي المعايير التقليدية للرجولة، وتزويد الطلاب بما يمكنهم من مناقشة هذه القضايا علنًا. وقد أسست شارك حملة إعلامية في الآونة الأخيرة تحت عنوان “نحن شركاء"، حيث قامت فيها بإنتاج حلقات إذاعية تخاطب فيها الشباب بحيث تتناول قضايا الذكورية والمساواة بين الجنسين وطرحت رتيبة سؤالاً: "لماذا يعد التركيز على شباب فلسطين أمراً مهماً؟" وأجابت عليه بأنّ "الأرقام الأخيرة من الدراسة الاستقصائية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين بفلسطين تخبرنا أن الشبان لديهم نفس التوجهات المحافظة بما يتعلق بالنوع الاجتماعي شأنهم شأن الرجال الأكبر سناً، لدرجة أنهم يمكن أن يرفضوا المساواة بين الجنسين. لذلك، علينا أن نعمل مع الأطفال في فلسطين لتغيير هذه المفاهيم، سواءً في المدارس أو الجامعات."

ربما كان الدرس الثمين الذي تعلمته رتيبة بعد الشروع في العمل على الذكورية مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة هو أنها اعتبرت أنّ العديد من الأفكار يمكن تطبيقها في حياتها الخاصة وفي مؤسستها. كما أدركت أهمية العيش مع الذكورية الإيجابية والعمل عليها لتحقيق المساواة بين الجنسين: "اعتدت أن أعتقد أن عمل زوجي في المنزل هو فقط لدعمي، ثم أدركت أنه لا يدعمني، بل إنه يتقاسم المسؤوليات المنزلية معي. عدتُ إلى المنزل وناقشنا القضية واتفقنا على احترام حقيقة أننا على حد سواء مسؤولان عن الأعمال المنزلية ثم بعد التدريب الثاني لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أدركتُ أنّ مؤسستي كانت في واقع الأمر تحمي الأدوار التقليدية للجنسين، لذلك بدأنا في تغيير القواعد [للمؤسسة وبدأنا في السماح للآباء ممن لديهمأطفال تقل أعمارهم عن 12 عامًا بمغادرة العمل قبل انتهاء الدوام بساعة [مثل الأمهات] حتى يتمكنوا من أخذ الأطفال من أماكن رعاية الأطفال ومشاركة الأمهات مسؤوليات تربية الأطفال."

كما أقرت "شارك" تعديلا على قوانينها الداخلية بإعطاء أسبوعين متتاليين بالإضافة إلى 10 أيام فردية لإجازة الأبوة للآباء الجدد. علقت رتيبة على هذا قائلة: "عندما يرى الشباب في "شارك" أن الآباء يغادرون مبكراً كل يوم لأخذ الأطفال من المدرسة أو الرعاية النهارية سيبدأون بالاعتياد على هذا الأمر." وأضافت وهي مبتسمة "وسرعان ما سيرون أن اعتناء الرجل بأطفاله مثل زوجته هو شيء طبيعي بل شيء جيد".

كانت الأبوة مدخلًا ناجحًا آخر لمناقشة الذكوريات حيث أشارت السيدة رتيبة إلى أن الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في فلسطين تخبرنا أن 66% من الآباء الفلسطينيين يرغبون في قضاء مزيد من الوقت مع أطفالهم. ومع ذلك، واتباعًا للصور النمطية لأدوار النوع الاجتماعي، فإن معظم الآباء يقضون وقتًا بعيدًا عن أطفالهم أكثر من الوقت الذي يقضونه معهم.

وفي تعقيب أخير أضافت رتيبة: "ركزنا أيضًا على الأبوة وناقشنا حقيقة أن الآباء لهم دور في المنزل يتخطى جلب المال. مما يتوافق مع مشاعرهم الداخلية وهو بأنهم يريدون قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم. بهذه الطريقة يمكن أن يلعب الأب دورًا أكبر ويركز على صحة أطفاله وعافيتهم بشكل أكبر. كما يمكن أن يكون هو وكيلًا للتغيير."