الحفاظ على ثروة لبنان الخضراء

التاريخ:

مايا نعمة، 41 عامًا، مديرة جمعية التحريج في لبنان، وهي منظمة محلية غير حكومية تهدف إلى الحفاظ على غابات لبنان وتوسيعها من خلال اعتماد نهج مجتمعي وشراكات بين القطاعين العام والخاص. مع تزايد إندلاع الحرائق في غابات لبنان منذ العام 2019، أصبحت هناك حاجة، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة التحريج، وإدارة الغابات والحرائق التي تندلع فيها، وتخطيط استخدام الأراضي

Dr Maya Nehme in Anjar Eco Park, Lebanon. Photo: UN Women/Lauren Rooney

الدكتورة مايا نعمة في عنجر. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة / لورين روني

ولدت مايا نعمة وترعرعت في منزل يضمّ حديقة. خلال طفولتها، كانت تقضي الكثير من الوقت في الهواء الطلق مع والدها، تزرع هذه المساحة الخضراء وتعتني بها. "الزراعة هي شغفي. فهذا هو المكان حيث أستطيع أن أعبّر عن أفضل ما لديّ،" قالت نعمة.

درست نعمة الهندسة الزراعية في الجامعة اللبنانية وحصلت على درجة الماجستير في حماية النبات من الجامعة الأمريكية في بيروت، قبل أن تحصل على شهادة مزدوجة من جامعة ولاية بنسلفانيا في علم الحشرات والتعليم الدولي والمقارن. فور عودتها إلى لبنان، عملت في مجال التنمية الزراعية وإدارة التحريج في إطار "مشروع التحريج في لبنان" المموّل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. بعد انتهاء المشروع، صمّمت نعمة على مواصلة جهود التحريج وأنشأت منظمة غير حكومية أطلقت عليها اسم "جمعية التحريج في لبنان"، وأصبحت مديرةً لها اعتبارًا من العام 2015. "أقوم بإدارة المنظّمة وأنسّق مع الجهات المانحة للمشاريع الحالية والمستقبلية، وأبني شراكات مع المنظمات غير الحكومية الأخرى والحكومة، على المستوى المحلي والإقليمي. لا أزال أخصّص بعض الوقت بين الحين والآخر لزراعة الأشجار، وهذا الأمر يسعدني".

"منذ العام 2019، ازداد عدد الحرائق في لبنان بشكلٍ كبيرٍ والتهمت ما يعادل 1400 هكتار لغاية العام 2018، و2900 هكتار في العام 2019. أمّا العام 2020، فكان الأسوأ على الإطلاق، فقد ألحقت الحرائق أضرارًا بـ 7200 هكتار، ممّا يدلّ بشكل واضح على تأثير تغيّر المناخ، الذي يطيل فترة الجفاف، ويزيد من هطول وتركّز الأمطار ".

وأوضحت نعمة أنّ اندلاع الحرائق في لبنان ناتج بشكل أساسي عن النشاط البشري، "إمّا بسبب حرق النباتات اليابسة من قبل المزارعين في حدائقهم، أو بسبب تخلّص البلديات من النفايات في الغابات، أو إهمال البعض من خلال تركهم نيران المخيمات دون إطفائها أو بإطلاقهم الألعاب النارية". وأضافت: "نحن نعمل على الوقاية من الحرائق، ونشر الوعي حول أسباب اندلاع الحرائق ومخاطرها، بالإضافة إلى متابعة التعافي وإعادة التأهيل بعد الحرائق. فإنّ نشاطات الوقاية والتخطيط يمكن أن تساعد في احتواء انتشار الحريق. في عام 2022، نخطّط لورش عمل مع أصحاب المصلحة الوطنيين لمناقشة الثغرات والاستعداد بشكل أفضل".

من خلال مشاريعها المختلفة، نجحت جمعية التحريج في لبنان في زراعة أكثر من 1.3 مليون شجرة في جميع أنحاء البلاد وإدارة أكثر من 3000 هكتار من الأراضي، بالإضافة إلى زراعتها ووقايتها من الحرائق. وأشارت نعمة إلى أنّه "وعلى الرغم من اندلاع حرائق عديدة في السنوات القليلة الماضية، إلا أنّ ألسنة النيران لم تطال المناطق التي نفّذنا فيها نشاطات الوقاية". "نعمل مع أكثر من 150 بلدة على مشاريع حماية الغابات، وهذه المشاريع تساعد أيضًا في عمليّة بناء الثقة بين المجتمعات. ففي لبنان، المحميّات الطبيعية ليست متّصلة بعضها ببعض كما كانت عليه في السابق. لذلك، قمنا بالكشف على جميع الأراضي المشتركة، حدّدنا المناطق المناسبة للتشجير، وبدأنا بإعادة تشجير هذه المناطق لإنشاء هذا الارتباط من جديد".

عندما بدأت نعمة العمل في مجال الحراجة لأوّل مرة، استغرب البعض رؤية امرأة تنشىء حفرةً أو تزرع شجرةً أو تشرف على رجال آخرين. منذ عشر سنوات، كانت النساء في بعض المجتمعات ممنوعة من العمل جنبًا إلى جنب مع الرجال، "أمّا الآن فأصبحن عضوات في اللّجان التي أنشأناها في مختلف البلديات".

تعتبر نعمة أنّ تغيّر المناخ يحدُثُ فعلا. "علينا التحرّك بسرعة وعدم الاعتصام بالصمت. دعونا نساهم كلّ يوم في الحدّ من انتشار الانبعاثات وتكدّس النفايات. لنبدأ إذاً بطرح أسئلة بسيطة: هل يجب أن أقود سيارتي كلّ يوم؟ هل يمكنني جمع كلّ تنقلاتي؟ هل يمكنني الحدّ من استخدام البلاستيك؟ لسنا مضطرين لزراعة مليون شجرة، فيكفي أن يزرع كلّ واحد منّا شجرة واحدة في السنة أو نبتة صغيرة. فهذه الإجراءات البسيطة يمكن أن تساعدنا في قطع شوط كبير بمجرّد قيامنا بأخذها على محمل الجدّ. يجب أن يكون الجهد جماعيًّا لإنقاذ أنفسنا، وكوكبنا، والإنسانية جمعاء".

وفي هذا السياق، سلّطت الخبيرة الضوء على أهميّة إدراج المحادثات حول تغيّر المناخ والوعي البيئي في المناهج التعليمية للمدارس والجامعات، ممّا سيساعد على توعية الشباب والشابات بشأن مسؤوليتهم البيئية وإدراكهم أنّ الغابات هي أنظمة بيئية توفّر فوائد اقتصادية وصحيّة. ولفتت إلى "إمكانيّة تطوّع الشباب والشابات لغرس وتقليم الأشجار. فمن خلال الاستمرار في المشاركة والتوعية حول التأثير الطويل الأمد لتغيّر المناخ، هم يساعدون في إطلاق محادثات ضرورية للحفاظ على البيئة".

استضافت الجمعيّة مؤخرًا برنامج "الهيئة الشبابية لحماية البيئة"، وهو برنامج تدريبي نُظّم بالشراكة مع "دائرة الغابات في الولايات المتحدة الأميركية" على مدى ستة أشهر، وشارك فيه ثلاثون شابًا وشابّةً – 13 فتاة و17 فتىً – تلقوا تدريبًا في مجال الحراجة وإدارة الموارد الطبيعية والتطوير الوظيفي في مركز الجمعيّة في إهمج. فور انتهاء البرنامج، عبّر معظمهم عن اهتمامهم بالعمل في هذا المجال.

تقول نعمة إنّ ثمة أشخاصًا ملهمين ملتزمين بالتخفيف من آثار تغيّر المناخ يحيطونها ويذكّرونها يوميًّا بأنّ الأشياء الصغيرة لها أهميّة كبرى. إن العديد من أعضاء الفريق  العامل في الجمعية يكبّون على تطبيق استراتيجية "صفر نفايات" في مكاتبهم.

إنّ عدد النساء المتخصّصات في مجال الحراجة في لبنان ضئيلٌ نسبيًّا، على الرغم من أنّ المنظمات غير الحكومية الرئيسية الثلاث العاملة في مجال الغابات تقودها نساءٌ. "هناك فجوة في الأوساط الأكاديمية، حيث أنّ الجامعة اللبنانية هي مؤسسة التعليم العالي الوحيدة التي توفّر درجة الماجستير في مجال الحراجة. وتقول نعمة: "يضمّ فريق الخبراء الذي أقوم بإدارته عددًا من النساء يتفوق على عدد الرجال، في حين أنّ هذا القطاع يهيمن عليه تقليديًا الرجال في جميع أنحاء العالم". وأضافت: "على مستوى المشاريع التي تنفّذها الجمعية، هناك نسبة متساوية من الرجال والنساء العاملين في مجال التحريج في القرى. على مرّ السنين، رأينا رؤساء بلديات يركّزون على الحاجة إلى إشراك المزيد من النساء في اللّجان المحلية، وهذا ما نقوم به عن طيب خاطر. إنه نجاح بذاته".

وختمت قائلةً: "نريد أن يعلم الجميع أنّ في وسع المرأة أن تتولّى وظيفة في مجال الحراجة".