من موقعي هذا: "أستحق العيش والعمل والقيام بكل ما هو مطلوب لإسعاد ابنتي."

التاريخ:

تتأمل السجينة اللبنانية السابقة علا عبده، 24 عامًا، في تحديات الحياة بعد السجن وفي كيفية النهوض لتعتنق الحياة من جديد.

علا عبده. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصوّر

"كان زوجي السابق عنيفًا جدًا ومدمنًا على المخدرات؛ في بعض الأحيان كان يحبسني في المنزل لأيام عدة، ويتركني أقتات مما تبقى من طعام في المنزل. كان يعمل سابقًا كسائق سيارة أجرة وكان يمتلك مخبزاً، غير انه باع كل شيء بسبب المخدرات، وحتى الأثاث في منزلنا.

لقد تحمّلت الإساءة لفترة طويلة ولم أقل شيئًا، لكن عندما بدأ بضرب ابنتي، لم أعد أستطيع تحمل ذلك. هجرته وتقدّمت بطلب الطلاق وانتقلت للعيش مع والديّ.

في البيئة حيث أقيم، من غير المقبول أن تُقدم النساء على الطلاق، والحال ان أسرتي عاملتني كأني منبوذة. قام إخوتي بطردي مع ابنتي خارج المنزل، لذلك طلبت المساعدة من أصدقاء وبالفعل استأجروا لي شقة صغيرة. لم يستطع زوجي السابق تقبّل واقع أني كنت أعيش بمفردي مع ابنتي في منزل استأجره أصدقائي، لذلك أبلغ عني زوراً لقوى الأمن الداخلي بتهمة الدعارة، لكن الاتهامات لم تلبث أن سقطت. كان يمرّ إلى المنزل من حين إلى آخر لرؤية ابنتنا ويطلب مني العودة إليه.

ذات مرة، كانت ابنتي تلعب في غرفة الجلوس، ووجدَت كيسين من المخدرات تحت الأريكة. سلّمت الكيسين على الفور إلى زوجي السابق وطلبت منه ألا يعود إلى منزلي طالما أنه لا يزال يتعاطى المخدرات. في المحصلة، سلّم نفسه إلى القوى الأمنية واتهمني بمساعدته في بيع المخدرات، وهكذا دخلت السجن لمدة عام وثلاثة أشهر.

اتهموني ببيع المخدرات والتستر على زوجي السابق. أعترف أنني تسترت عليه ولكن كيف لا أفعل ذلك؟ هل ترين كل هذه الجروح التي بهت لونها على وجهي؟ إنها آثار خياطة الجروح التي تسبّب بها هو.

تدهورت صحتي النفسية في السجن كثيرًا، أما ابنتي التي كانت تقيم مع والديّ، فعانت نوبات ربو متكررة وتم نقلها إلى المستشفى على نحو طارىء، ولم أتمكّن من الوجود هناك معها لأمسك بيدها. كنت أبكي كل يوم – كان كل شيء يذكّرني بابنتي.

قبل شهرين من إطلاق سراحي، اشتركت في البرنامج التدريبي الذي وفّرته "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل" وهي منظمة غير حكومية مقرّها طرابلس والحال أني كنت ثاني المشتركات اللواتي سجلن أسمائهن لأني كنت في حاجة ماسة إلى المساعدة النفسيّة. في البداية عندما كنت لا أزال في السجن، كنت أتلقى الدعمين النفسي والاجتماعي. لم يكن يتحدّث العديد من زميلاتي السجينات إلى بعضهن البعض وتشاجرن كثيرًا، ولكن بعد أن تلقينا دروس المهارات الحياتية والعلاج الجماعي، أصبحنا أكثر انفتاحاً على مشاعرنا واخترنا أن نكون صادقات مع واقعنا وأنفسنا. فتيات كثيرات اعتذرن، وبكين كثيرًا، وعبّرن عن مشاعرهن، مما أفضى إلى أن طريقة مقاربتنا لبعضنا تغيّرت.

خرجتُ من السجن قبل ثلاثة أشهر، والتحقت بالمرحلة الثانية من التدريب، تحديدا بورشة خياطة تديرها "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل". لم تتغيّب أي مشاركة عن التدريب يومًا واحدًا لأننا أردنا أن نكون هناك، أردنا الخروج من المنزل وأن نكون جزءا من مجموعة حيث جلّ ما فعلانه كان التعلّم والضحك والتواجد هناك لدعم بعضنا البعض. ساعدني ذلك على الشعور أني أستطيع التغلّب على اكتئابي وأني أستطيع النهوض مرة أخرى. جعلني التدريب أدرك أنه يجب ألا أبقى مكسورة.

علا عبده تستلم ماكينة خياطة. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصوّر

اعتدت إيذاء نفسي، ولكني أرفض ذلك الآن. أستحق العيش والعمل والقيام بكل ما هو مطلوب لإسعاد ابنتي، أحتاج أن أعيش ليس فقط من أجلي، ولكن أيضًا من أجل ابنتي. أرفض أن أسمح لابنتي بأن تعيش ما اختبرته. عندما خرجت من السجن، رفضت النظر في عيون الآخرين مباشرة. كنت أسير حانية الرأس، لكن كل شيء تغيّر الآن. باتت شخصيتي أقوى وأنا واثقة من قدرتي على مواجهة المجتمع، أنا أثق بنفسي. الآن، أجرؤ على الردّ على أي شخص لا يحترمني.

أصبح والداي أكثر دعمًا لي أيضًا. بفضل هذا التدريب، استعادوا ثقتهم بي، وهم سعداء لأني أخرج من منزلي وأعمل. هناك زبونتان طلبتا مني تقصير بنطال وسترة، وأخطط للعمل على هذه المهارات المكتسبة حديثًا لتوفير الدخل لي ولابنتي."




اشتركت علا ببرنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي يستهدف السجينات الحاليات والسابقات في لبنان، والذي تم تنفيذه بالشراكة مع "الجمعية اللبنانية للإصلاح والتأهيل" - وهي منظّمة غير حكومية مقرها طرابلس- وبفضل دعم سخي من حكومة اليابان.

يدعم البرنامج إعادة تأهيل السجينات وعملية انتقالهن من السجن إلى المجتمع. يتضمّن التدريب جلسات دعم نفسي واجتماعي في أثناء وجود السجينات في السجن، بالإضافة إلى تدريب على المهارات في الخياطة والطبخ للسجينات المفرج عنهن. في نهاية التدريب الذي استمر ستة أشهر، تم تزويد المتدربات بالمعدات اللازمة لتمكينهن من إطلاق أعمالهن التجارية الخاصة.

يهدف برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى دعم السجينات السابقات في لبنان لدخول سوق العمل واستئناف حياتهن، الأمر الذي قد يكون صعبًا على نحو خاص على السجينات أو السجينات السابقات اللواتي يواجهن التمييز نتيجة سجنهن ووسط الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث ارتفع معدل بطالة النساء من 14.3٪ قبل الأزمة إلى 26٪ بحلول أيلول/سبتمبر 2020، وفقًا لدراسة حديثة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

تبيّن قصة علا أهمية تحقيق هدف التنمية المستدامة الخامس حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى الحد من أوجه عدم المساواة في الدخل وتلك القائمة على العمر أو الجنس أو الإعاقة أو العرق أو الإثنية أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك.