كسر الحواجز وبناء الجسور: مرشدات رعاية نزيلات السجون يحدثن فرقاً في حياة النزيلات

التاريخ:

نُشرت القصة في الأصل على موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين.

alt
ربى البرغوثي، مرشدة رعاية لمراكز إعادة الإصلاح والتأهيل في رام الله. الصورة © هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ سمر حزبون/ تشرين الأول 2022

رام الله- تعاني العديد من النزيلات في مراكز الاصلاح والتأهيل من مشاكل الصحة النفسية بسبب العنف المجتمعي والعائلي، وضعف الروابط الأسرية والوصمة المجتمعية.  

يوجد في مراكز الإصلاح والتأهيل في الضفة الغربية حوالي 80 من النساء المحكومات و117 من الموقوفات في الضفة الغربية بحسب التقرير السنوي للشرطة الفلسطينينة للعام 2022. في حين يوجد ست فقط من الاخصائيات الاجتماعيات العاملات مع النزيلات تحت إشراف مديريات وزارة التنمية الاجتماعية اللاتي تواجهن تحديات متعددة عند إدارة الحالات. يرجع ذلك بشكل أساسي إلى السياق القانوني والاجتماعي والاقتصادي الذي يؤثر على واقع النساء في خلاف مع القانون بما في ذلك محدودية الموارد وفرص بناء القدرات والتدريبات المتخصصة في هذا المجال.

انطلاقاً من هذه التحديات، عملت وزارة التنمية الاجتماعية بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة من خلال برنامج سواسية المشترك على استهداف ست من مرشدات رعاية النزيلات من مختلف محافظات الضفة الغربية على مدار عام كامل للحصول على برنامج بناء قدرات يتضمن التدريب والإشراف المهني الجماعي والفردي.

هدف التدريب إلى زيادة وعي المرشدات بالتعقيدات المرتبطة بوضع النساء في خلاف مع القانون أو نظام العدالة، ودعم مسيرتهن المهنية وصحتهن النفسية من أجل تمكينهن من تقديم خدمات مستجيبة للنزيلات في مراكز الإصلاح وبالتالي تعزيز وتسهيل وصولهن إلى المساعدة والخدمات القانونية والاجتماعية.

تجارب مرشدات رعاية نزيلات السجون
في البداية حدثتنا ربى البرغوثي،  34عاماً، حاصلة على درجة البكالوريس تخصص علم اجتماع "أعمل في هذا المجال منذ 9 سنوات، هذه هي المرة الأولى التي يتوفر لنا فيها تدريب يشكل إضافة نوعية وجذرية على طبيعة وأساليب العمل والأدوات المكتسبة. في هذا التدريب تم تزويدنا بمفاهيم تحقيق العدالة للنزيلات بمعناها الموسع، وبضرورة النظر في بدائل العقوبات ومحاولة طرحها على الجهات المعنية من أجل تطبيقها بحيث لا تقتصر العقوبة على الاحتجاز فقط."

أما هالة دعيبس، 58 عاماً، تخصص مجال خدمة اجتماعية، ومسؤولة ملف رعاية النزيلات في مدينة جنين: "أحدث هذا التدريب نقطة تحول في بعض القضايا التي نواجهها بشكل يومي. مثلاً بعد التعمق في أهمية قواعد المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق النزيلات، مثل قواعد مانديلا[1] وبانكوك[2]، توجهت إلى إدارة المركز لضرورة إجراء تغييرات في منهجية التنفتيش. تم رفض الطلب أولاً، ولكن بعد إصرار مني وإجراء المزيد من النقاشات، قررت الإدارة تطبيق تغييرات جذرية للتفتيش بطريقة تضمن الأمن ولكن تحفظ كرامة النزيلات وفق المعايير والقواعد الدولية وتضمن احترام حقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة."

قوة الأدوات في تعظيم فعالية التدريب
تتعرض مرشدات رعاية النزيلات باستمرار لخطر الإجهاد الثانوي الناجم عن الضغوطات أو الصدمات النفسية، والإرهاق من التعاطف مع الحالات التي يتعاملن معها، مما يؤدي إلى الإنهاك من العمل والحد من قدرتهن المهنية على العطاء ومساعدة النزيلات. لذلك سعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى توفير جلسات إشراف فردية وجماعية تسمح لمرشدات رعاية النزيلات بالتفريغ بما يساهم في التطور على المستويين الشخصي والمهني من خلال تزويدهن بالأدوات المهنية للتعامل مع الآثار النفسية لعملهن، لاسيما في سياق جائحة كوفيد-19.

تقول هالة: "كنت أشعر بالإرهاق والإجهاد وبعض الضغوطات النفسية الناتجة عن الاستماع إلى قصص النزيلات المعقدة. ولكن بعد جلسات الإشراف تطورت لدي أساليب العمل ونوع التدخلات والمساعدات التي أقدمها للنزيلات. أذكر مثلاً أنني قلت لإحدى النزيلات "اطلبي الرحمة من ربنا" كرد فعلي عكسي على سماعي قصتها التي تتخالف مع بعض العادات المجتمعية والدينية." تضيف هالة "بعد التدريب أدركت الأبعاد النفسية والمعنوية المترتبة على كلماتي بحيث أصبحت أكثر مراعاة وحساسية للغتي ونبرة صوتي أثناء تقديم الدعم وبالنتيجة اعتذرت من النزيلة وحاولت تقديم الدعم الموجه المهني لها دون اطلاق أحكام شخصية."

بالإضافة إلى ذلك، ساهم التدريب في تطوير المهارات الشخصية مثل احترام الحدود المهنية مع النزيلات وإدارة الضغوطات والإرهاق والإجهاد المترتب على العمل مع القضايا المعقدة المختلفة، وإفساح المجال لأصحاب التخصص بالتدخل عند اللزوم.

تعقيباً على هذا، تقول ربى "بعد التدريب، استطعت وضع الحدود المهنية في علاقاتي مع النزيلات وأصبحت أكثر قدرة على الفصل بين حياتي الشخصية والمهنية دون شعور بالذنب. أشعر بحرية لأنه أصبح لدي القدرة على إدارة الضغوطات والإرهاق الناتج عن العمل والآن لدي الوعي بضرورة إفساح المجال لأصحاب التخصص بالتدخل عند اللزوم".

بناء جسر إلى حياة جديدة: أهمية الرعاية اللاحقة للسجناء
ساهم التدريب أيضاً في زيادة معرفة ومهارات مرشدات النزيلات لتقديم خدمات مستجيبة للنوع الاجتماعي ويشمل ذلك تعزيز مهارات الإستشارة وإدارة القضايا، بما في ذلك تعزيز الحماية وإعادة الإدماج في المجتمع بعد الإفراج عنهن.

لذلك تسعى مرشدات رعاية النزيلات إلى العمل مع الشركاء ذوي العلاقة لتدشين برامج إصلاحية كالتعليم والتوجيه والإرشاد وإدراج برامج الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية أو الثقافية وجلسات التوعية الصحية والمهنية كجزء من مرحلة العناية اللاحقة وذلك بهدف تهيئة النزيلات لمرحلة ما بعد الخروج من المراكز كي لا يتعرضن للرفض أو الإحباط من قبل المجتمع.

تقول نور الشندي 43 عاماً، حاصلة على تخصص خدمة اجتماعية وتعمل كمرشدة للطفولة ورعاية النزيلات في مدينة نابلس منذ ثلاث سنوات: "نبدأ في العمل على الرعاية اللاحقة للنزيلات من خلال البرامج والأنشطة التي نقدمها بالتنسيق مع المؤسسات المعنية بشؤون النزيلات بهدف تمكينهن اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً بطريقة تتيح لهن المجال للإستفادة من إمكاناتهن وطاقاتهن وخبراتهن من خلال دمجهم في المشاريع المجتمعية أو بدء مشاريعهن الصغيرة الخاصة وإيجاد مكان للسكن وتوفير حياة كريمة لهن بما يساهم أخيراً في حماية النساء لتعزيز وصولهن إلى العدالة."

ويأتي تدريب "تعزيز قدرة مرشدات مراكز إعادة الإصلاح والـتأهيل للنساء" بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة من خلال برنامج سواسية 2 المشترك: تعزيز سيادة القانون في دولة فلسطين، البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بتمويل سخي من حكومة هولندا والسويد والوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي والاتحاد الأوروبي.  

يتم دعم مرشدات مراكز إعادة التأهيل والإصلاح التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية. حيث تعمل الحكومة الفلسطينية بالشراكة الكاملة مع قطاعي العدالة والأمن الاجتماعي وبدعم من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة على تعزيز قدرات مؤسسات العدالة والأمن والاجتماعية لإدماج النوع الاجتماعي في إجراءاتها وسياساتها، وتطوير وتوفير خدمات مستجيبة للنوع الاجتماعي للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، وذلك من خلال توفير بناء القدرات المؤسسية والتدخلات على مستوى السياسات. من بين أمور أخرى.

 

[1]قواعد مانديلا وهي قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء)

[2]وقواعد بانكوك وهي قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السَجينات والتدابير غير الاحتجازية للمُجرمات