لمحة حول النوع الاجتماعي عالميًا: الاستثمار في المساواة بين الجنسين قد ينعش الاقتصاد بتريليونات، ويُخرج 30 مليون امرأة من براثن الفقر، لكن التقدّم ما زال هشًّا
التاريخ:
نيويورك، – أظهر تقرير «لمحة حول النوع الاجتماعي- 2025» الصادر اليوم عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، أن الاستثمار العاجل في تمكين النساء يمكن أن يطلق العنان لضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد العالمي ويُخرج ملايين النساء من براثن الفقر.
ويبين التقرير أن ردم الفجوة الرقمية بين الرجال والنساء وحده قادر على أن يضيف 1.5 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، ويعود بالنفع على ملايين النساء والفتيات.
غير أن تباطؤ وتيرة العمل سيُبقي 351 مليون امرأة وفتاة في براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030، وسيجعل التقدم نحو جميع أهداف تمكين المرأة في إطار أهداف التنمية المستدامة متعثرًا وخارج المسار.
وقالت سيما بحوث المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة إن الاستثمارات الموجهة نحو المساواة بين الجنسين قادرة على إحداث تحولات جذرية في المجتمعات والاقتصادات.
وأضافت: «مجرد سد الفجوة الرقمية بين الجنسين وحده كفيل بتحقيق الفائدة إلى 343.5 مليون امرأة وفتاة حول العالم، وانتشال 30 مليونا من براثن الفقر بحلول عام 2050، وتحقيق زيادة تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.»
يعرض التقرير صورة متباينة: فبينما أُحرز تقدم ملحوظ في عدة مجالات، تبقى المكاسب التي تحققت بعناء كبير، هشة في مواجهة الانتكاسات المتزايدة.
تحقق تقدم ملموس: إذ أصبحت الفتيات اليوم أكثر قدرة من أي وقت مضى على إتمام تعليمهن، وانخفض معدل وفيات الأمهات بما يقارب 40% منذ عام 2000، وتضاعف حضور النساء في مفاوضات القضايا المتعلقة بتغير المناخ. وفي البلدان التي اعتمدت تدابير شاملة لمكافحة العنف ضد المرأة، تراجعت معدلات العنف الأسري إلى أقل من النصف بمقدار 2.5 مرة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أُصلِح 99 قانونًا تمييزيًا ضد النساء.
ومع ذلك، يُحذر التقرير أيضًا من انتكاسات مقلقة.
فالتضييق على الفضاء المدني، وردود الفعل المناهضة لحقوق المرأة، وتراجع التمويل المخصص لقضايا تمكين المرأة، جميعها تهدد بتقويض المكاسب المحققة. وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة، فسيظل 351 مليون امرأة وفتاة في فقر مدقع بحلول عام 2030. كما أن انعدام الأمن الغذائي يتخذ أبعادًا تمس النساء والفتيات أكثر من غيرهن: ففي عام 2024، عانت 64 مليون امرأة بالغة أكثر من الرجال من انعدام أمن غذائي معتدل أو حاد. واليوم، تعيش 676 مليون امرأة وفتاة في مناطق قريبة من نزاعات دامية، وهو أعلى رقم يُسجَّل منذ تسعينيات القرن الماضي.
وقال لي جونهوا وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية إن التقرير يظهر أن «تكاليف الفشل هائلة، ولكن المكاسب الناجمة عن المساواة بين الجنسين هائلة أيضا.»
وأضاف أنه من شأن الإجراءات والتدخلات المعجلة التي تركز على الرعاية والتعليم والاقتصاد الأخضر وأسواق العمل والحماية الاجتماعية أن تخفض عدد النساء والفتيات اللواتي يعشن في فقر مدقع بمقدار 110 ملايين بحلول عام 2050.
ويصدر تقرير «لمحة حول النوع الاجتماعي- 2025»، قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وإحياء ذكرى بيجين+30، مؤكّدًا أن تحقيق المساواة بين الجنسين ليس مسألة حقوق فحسب، بل هو أيضًا ركيزة للاقتصاد الرشيد والاستدامة العالمية.
وبينما يؤكد هذا التقرير حجم التقدم المحرز والمخاطر الماثلة للتراجع على المستوى العالمي، تُظهر الأدلة الإقليمية صورة مشابهة. ففي نيسان/أبريل 2025، أصدر المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، بالتعاون مع الإسكوا، النسخة الأولى من تقرير "التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة: لمحة عامة عن النوع الاجتماعي في المنطقة العربية 2024"، مسلّطًا الضوء على موقع الدول العربية من هذه الأهداف.
تتوافق المعطيات العالمية مع ما تكشفه النتائج الإقليمية. فقد حققت المنطقة العربية مستوى ملحوظًا من التقدّم في تعزيز حقوق النساء والفتيات.
انخفض معدل وفيات الأمهات بنسبة 45% بين عامي 2000 و2020، مما أنقذ عددًا لا يُحصى من الأرواح. كما تحسنت نتائج الالتحاق بالتعليم، فقد أتمت 5.5 مليون فتاة المراحل الدراسية من الابتدائية حتى الإعدادية مقارنة بعام 2015. كما تقلصت الفجوة بين الرجال والنساء في معدلات إتمام التعليم الابتدائي إلى 3 نقاط مئوية. وفي المرحلة الثانوية، باتت الفتيات يتفوقن على الفتيان، بمعدل إتمام يبلغ 68% مقابل 66% للفتيان. أما في سوق العمل، فتشغل نساء المنطقة نسبة 23% من الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات .
وعلى الرغم من هذه المكاسب، ما زالت هناك تحديات جسيمة قائمة.
فباستثناء ملكية الهواتف المحمولة، لا يسير أي من مؤشرات الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالمساواة بين الرجال والنساء على المسار الصحيح. وبالوتيرة الحالية، سيستغرق سد الفجوة في المشاركة في سوق العمل بين النساء والرجال نحو 115 عامًا، وهو رقم يبعث على القلق. ومقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ 49%، لا تتجاوز نسبة النساء العاملات أو الباحثات عن عمل في المنطقة العربية امرأة واحدة من بين كل خمس نساء. ومن المؤشرات المقلقة أن نحو 29.4 مليون فتاة في الدول العربية تزوّجن قبل بلوغ سن الثامنة عشرة. ولا تزال النساء يتحملن عبئًا ثقيلًا وغير متكافئ في أعمال الرعاية والعمل المنزلي غير مدفوع الأجر، إذ يقضين وقتًا يزيد بمقدار 4.7 مرات يوميًا مقارنة بالرجال. وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ في تمثيل النساء في البرلمانات خلال العقد الماضي، إلا أنهن لا يزلن يشغلن 18% فقط من إجمالي المقاعد البرلمانية في المنطقة.
يقدم التقرير الإقليمي توصيات رئيسية لتعزيز تمكين المرأة عبر جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وتشمل هذه التوصيات تسريع وتيرة الإصلاحات القانونية، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات، وزيادة الاستثمارات المخصصة لتمكين المرأة.
ومع اجتماع الحكومات والقادة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة وإحياء ذكرى بيجين+30، تتضح الرسالة جلية: إن تمكين المرأة ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل البشرية. ومع بقاء خمس سنوات فقط على الموعد المحدد لتحقيق أجندة 2030، يقف العالم أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يسمح بتفاقم الانتكاسات، أو يتحرك الآن لضمان الحقوق والفرص والازدهار المشترك لجميع النساء والفتيات.
تعرفوا على التقرير العالمي «لمحة حول النوع الاجتماعي- 2025» الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، من خلال هذا الرابط [بالإنجليزية].
يمكنكم أيضًا الاطّلاع على الإصدار الأول من تقرير "التقدم المُحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة: لمحة إقليمية حول النوع الاجتماعي في الدول العربية لعام 2024، الذي أصدره المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية بالتعاون مع الإسكوا في نيسان/أبريل 2025، عبر هذا الرابط.