ثلاثة أزواج في لبنان يعيدون تشكيل الأدوار الأبوية في المنزل

التاريخ:

من المدن إلى المجتمعات الريفية والمخيمات، تقوم العائلات في لبنان بإعادة تشكيل الأدوار الأبوية التقليدية والدعوة إلى المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. نلقي نظرة على حياة ثلاثة أزواج يشاركون خبراتهم في العلاقات التشاركية والمتساوية في جميع جوانب حياتهم، بما في ذلك اتخاذ القرارات المنزلية ورعاية الأطفال والمسؤوليات المنزلية.

أحمد مصطفى وسميحة غمراوي: ما يجمعهما هو تقاسم الواجبات المنزلية والواجبات الأخرى

أحمد مصطفى، مدير مدرسة، وسميحة غمراوي، معلمة علوم، في منزلهما في طرابلس، في لبنان، مع طفليهما. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

تزوج أحمد مصطفى، 44 عامًا، وهو مدير مدرسة، وسميحة غمراوي، 36 عامًا، وهي معلمة علوم، قبل أربعة أعوام بعد أن التقيا من خلال شغفهما بالتعليم، وأنجبا صبيًا وفتاة. يتقاسم الزوجان الواجبات المنزلية اليومية ورعاية الأطفال وحياتهما معًا أيضًا، بالتساوي. ويقول الزوجان "إن المشاركة هي التي جمعتنا معًا وتبقينا معًا".

في شقة قديمة في شوارع جبل البداوي في طرابلس، شمال لبنان، ينشغل أحمد في المطبخ لإعداد العشاء لعائلة مكونة من أربعة أفراد. "أجد متعة في الطهي، لكن دوري لا ينتهي هنا؛ عندما أفرغ من تحضير الطعام، أنظف المطبخ وأغسل الأطباق."

مصطفي منشغلًا في المطبخ. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

في هذه الأثناء، تستفيد سميحة من هذا الوقت للتخطيط لدروسها في اليوم التالي. "أحمد يدعمني في جميع المسائل المنزلية ويمنحني متسعًا من الوقت للاعتناء بنفسي وإكمال عملي دون القلق على أطفالنا أو الخوف من التقصير في تحمل مسؤوليات المنزل."

أتاح هذا الدعم لسميحة تطوير حياتها المهنية ومتابعة دراستها. "الدعم الذي يقدمه أحمد في المنزل يسمح لي بالتركيز على مهنتي دون الشعور بالتوتر." نتيجة لذلك، أكملت سميحة دراساتها العليا في الكيمياء الحيوية وتعتزم مواصلة دراستها الأكاديمية لإكمال الدكتوراه. يقول أحمد محييًا طموحات سميحة "العديد من النساء يضطررن للتخلي عن هذا الطموح بسبب ضغوط المنزل وتربية الأطفال،".

ينظر أحمد إلى التعليم على أنه أداة حيوية في تغيير تصورات عائلته وأصدقائه وجيرانه بما يتعلق بالتقاليد الموروثة للمجتمع والأدوار داخل الأسرة. يدافع أحمد عن العلاقات التشاركية، مستخدمًا حياته كمثال لما يمكن تحقيقه عندما يتقاسم الزوج والزوجة المسؤوليات بالتساوي، ويقول "ينظر الكثيرون إلى الأعمال المنزلية على أنها واجب يجب على المرأة القيام به، إنها وصمة مخزية أود أن أتجاوزها من خلال تصرفي لأصير قدوة يٌحتذى بها".

يفتخر أحمد مصطفى بتقاسم الأعمال المنزلية على قدم المساواة. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

في عام 2017، أجرت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" بالشراكة مع "بروموندو" و"أبعاد – مركز الموارد للمساواة بين الجنسين" ومركز الوصل بين الأبحاث والتنمية الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين (IMAGES) في لبنان والتي قامت بتحليل تصورات الذكورة وأثرها على حياة النساء والفتيات، والرجال أنفسهم، والمساواة المبنية على النوع الاجتماعي على نطاق أوسع. وجدت الدراسة أنه بالنسبة لـ 35٪ من الرجال "لكي تكون رجلًا"، عليك أن تكون صارمًا"، واتفق 19٪ من الرجال على أنه "من المخجل أن ينخرط الرجال في رعاية الأطفال أو أي أعمال منزلية أخرى."

يوضح أحمد "بعض الرجال لديهم تصور خاطئ عن ماهية الرجولة، ويعتقدون أنه يجب أن يكونوا متسلطين أو أن يكونوا "أسياد العائلة". على الرغم من أن الرجل الحقيقي، كما أعتقد، هو الشخص الذي يرضي المقربين منه ويعزيهم. لا أستطيع أن أعتبر نفسي رجلًا إذا كانت زوجتي متعبة باستمرار".

في المنزل، يشارك أحمد مصطفى في المهام بالتساوي مع زوجته. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح

يحرص أحمد وسميحة على تربية أطفالهما وطفلي أحمد من زواج سابق (يعيشان مع والدتهما لكنهما يزورانه كثيرًا) لمشاركة نفس القيم وغرس مفهوم المساواة في حياتهم اليومية داخل المنزل وخارجه. "طالما يرونني أقوم بواجباتي، سينعكس ذلك عليهم. سيتعلمون من خلال رؤيتنا نعمل معًا ويمارسون الأمر عينه بأنفسهم،" يقول أحمد. "الكل يشارك في المهام بالتساوي: كل واحد منهم ينظف بعد الأكل ويرتب غرفته".

خالد النصر ورانيا السيد: المشاركة عنصر أساسي في العلاقة الجيدة

خالد النصر، 30، وزوجته رانيا السيد، 35. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

خالد النصر، 30 عامًا، تاجر جملة، ورانيا السيد، 35 عامًا، تعمل كمتطوعة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، تزوجا منذ أكثر من عام وأنجبا صبيًا، أسمياه وليد. يقدّر الزوجان علاقتهما، أما العنصر الأساسي الذي تقوم عليه علاقتهما فهو المشاركة في جميع جوانب الحياة.

عندما ارتبط الزوجان، انتقل خالد من مخيم عين الحلوة في صيدا، حيث أمضى حياته كلها الى مخيم الرشيدية في صور (كلاهما مخيمات فلسطينية)، ليكون أقرب إلى رانيا. على الرغم من انتقال أحمد، فقد إدخرا على قدم المساواة لإتمام منزلهما الجديد وعمل كلاهما في إنشائه.

أما الأولوية بالنسبة إليهما الآن فابنهما وليد. يتناوب الزوجان على الاعتناء به، سواء كان ذلك من خلال إطعامه بزجاجة الحليب في أثناء الليل أو رعايته في أثناء ساعات العمل أو القيام بالأعمال المنزلية الإضافية التي تترافق مع ولادة طفل جديد. لا يعتبرها خالد "تقسيمًا للمهام"، بل هي شراكة يدًا بيد. "أفضّل استخدام هذا الوصف لأنني أعتبر أن واجبي في المنزل يساوي واجبات رانيا."

يتناوب الزوجان على رعاية وليد، ابنهما، سواء كان ذلك من خلال إطعامه أو رعايته أو غيرها من الأعمال المنزلية. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

لم يتولد اقتناع رانيا بالمشاركة المتساوية من طفولتها، ذلك أنها نشأت في منزل تقوم الفتيات فيه بجميع الأعمال المنزلية. "كان والدي يعمل في الزراعة، وكانت والدتي تساعده في العمل. عندما تعود إلى المنزل، كانت تنتظرها مهام أخرى – التنظيف والعجن والطبخ وغسل الملابس بدون أي مساعدة من والدي. أعتبر قوتها نموذجًا لي، لكنني لا أريد أن أنهك مبكرًا مثلها؛ توفيت أمي في الأربعينيات من عمرها، أعتقد أن السبب هو تراكم التعب بسبب العمل."

تظهر "الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين" أن التقسيمات التقليدية بين الجنسين في العمل المنزلي لا تزال هي المعترف بها، حيث أفادت 85٪ من النساء أنهن يشاركن في المهام المنزلية مقارنة بـ 56٪ من الرجال.

تتساءل رانيا الآن وهي تحظى بدعم خالد، عن العديد من الصور النمطية والعادات المبنية على النوع الاجتماعي التي نشأت عليها: "كل ذلك لم يقنعني أبدًا" توضح رانيا. "علّمني هذا التفاوت أهمية المساواة في جميع جوانب حياتي الزوجية الآن".

ليست فكرة المشاركة المتساوية شائعة بين معظم الأزواج في مجتمعهما، وغالبًا يواجهان الانتقادات لمشاركة خالد في الواجبات المنزلية ومشاركة رانيا في صنع القرار. تقول رانيا "إن الناس الذين أعرفهم يعتقدون أنه إذا ساعد الرجل زوجته، فإنها تتحكم فيه وتقلل من هيبته". يتّفق خالد مع رانيا “أنا لست متأثرًا بأعراف مجتمع لا يقرّ بأهمية الشراكة بين الرجل والمرأة. على كل حال نحن لن نتوقّف عما نفعله بسبب التعليقات السلبية. أنا وزوجتي فخوران بهذه العلاقة أمام الجميع".

أحمد فقيه ودعاء عفارة: البيت والأسرة، مجتمع صغير للمساواة

يقوم أحمد فقيه ودعاء عفارة بتربية أطفالهما على ممارسة واحترام المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

أحمد فقيه، 38 عامًا، مدرس مهارات حياتية، ودعاء عفارة، 31 عامًا، طالبة إدارة أعمال، متزوجان منذ سبع سنوات ولديهما طفلان – جوري وناصر. يوضح الزوجان "منذ يوم ارتباطتنا ونحن نقوم ببناء مجتمعنا الصغير على أسس المساواة".

على الرغم من أنهما يعيشان في مجتمع محافظ، عمل الزوجان بجد لخلق بيئة وتربية مختلفة لأطفالهما، بعيدًا عن الأفكار والمعايير التمييزية الخاصة بالنوع الاجتماعي. يقول أحمد "الزواج مؤسسة تقوم على التعاون والإدارة والمشاركة بين الزوجة والزوج، بما في ذلك أن يلعب الأب دورًا أساسيًا في الرعاية، تماما كالأم. وهذا لا ينتقص من رجولته ولن يضعه في مرتبة أدنى، كما قد يظن البعض".

أحمد فقيه متحمس لكتابة قصص الأطفال التي تقرأ قبل النوم والتي تصور العلاقات المتساوية على أساس النوع الاجتماعي. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

لا يفوت أحمد فرصة للدفاع عن المساواة المبنية على النوع الاجتماعي في أثناء عمله الاجتماعي في المدرسة، وفي وقته الشخصي في المسجد، حيث يقوم بأنشطة للأطفال. من أكثر الإنجازات التي يفتخر بها أحمد هو دوره في دعوة لجنة المرأة للانضمام إلى لجنة الشباب في اجتماعاتها في المسجد الذي يقصده. يقول أحمد "بعد نقاش مع الأعضاء والمشايخ، انضمت اللجنة النسائية أخيرًا إلى اجتماعات لجنة الشباب".

يدافع أحمد فقيه عن تمكين المرأة وتقاسم المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال على قدم المساواة. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.

يعتقد الزوجان أن التغيير ممكن من خلال الحوار وإرساء التغيير في الأعراف والأفكار الثقافية. بالنسبة إليهما، فإن الخطوة الأولى تبدأ داخل المنزل، وعبر خلق مساحة تعزز القناعات التي طوراها ووطداها سويًا، قبل مشاركتها مع الآخرين.

يستمتع أحمد فقيه بالمشاركة على قدم المساواة في تربية أبنائه. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ مروان طحطح.


في إطار
برنامج الرجال والنساء من أجل المساواة بين الجنسين التابع لـ"هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، بتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (سيدا)، دعمت منظمة" كفى"، وهي منظمة غير حكومية نسوية وعلمانية لبنانية غير ربحية، المنظمات المجتمعية في تصميم وتنفيذ حلول لتحدي الأعراف الاجتماعية وتعزيز المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. من خلال هذا البرنامج، عملت منظمة "كفى" مع أربعة شركاء في النبطية وطرابلس ومخيم الرشيدية في صور وفي صيدا لتشمل النشاطات أكثر من 2,159 شخصًا في هذه المجتمعات.