على لسان إحسان حطب: "أريد أن أعلّم المكفوفين كيف يلتقطون الصور"

التاريخ:

المصورة اللبنانية إحسان حطب. هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصوّر

كانت إحسان حطب، من سكان بيروت، في الثالثة عشرة حين شخّص الأطباء إصابتها بمرض ستارغاردت، وهو مرض وراثي يصيب العينين ويسبّب ضعف النظر الشديد. الآن، في التاسعة والعشرين تستعد هذه المرأة الحاصلة على إجازة في الإدارة العامة لإطلاق عملها الخاص في التصوير وصناعة الأفلام، في أعقاب انضمامها إلى دورة تدريبية على التصوير الفوتوغرافي وفّرتها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" و"مؤسسة الصفدي"، بدعم سخي من حكومة اليابان.

"وُلدت بضعف شديد بالبصر، ولكن في البداية، لم تَعي عائلتي حتى حالتي الصحية. كنتُ أعاني تراجعاً في نظري، حيث كنت أرى بنسبة 10% فقط، ثمّ انخفضت هذه النسبة لاحقاً إلى 4%. هذا يعني أنه عندما أكون في غرفة، أرى أن هناك شخصاً يجلس أمامي، ويمكنني تمييز معظم الألوان المحيطة بي، ولكن هذا كل ما أستطيع رؤيته. لا يمكنني تمييز أي شيء آخر، بما فيه ملامح هذا الشخص. إذا كان أحد أفراد عائلتي واقفاً ضمن مجموعة من الناس، لن أتمكّن من التعرف عليه.

في المدرسة، إعتاد أساتذتي التهكّم بي، كانوا يسألوني باستمرار لما لا أنظر مباشرةً إلى اللوح أو إليهم. كان زملائي في الصف يتنمرّون عليّ لأني اضطّرت إلى النظر إلى وجه أحدهم على نحو جانبي، وليس مباشرة، لكي أراه بشكل أفضل.

قبل بلوغي العاشرة، ظننتُ أن الجميع مثلي، إلى ان جاء ذلك اليوم حين أمسكتُ بكاميرا لعبة لألقي النظر على الصور الملوّنة التي احتوتها، بشكل أفضل. عندما أدركت أنّي لا أستطيع رؤية الصور، إنتزعت العدسة الزجاجية المكبّرة للصور من الكاميرا ومن خلالها استطعت الرؤية بشكل أفضل وأكثر وضوحاً. ساعدتني هذه العدسة المكبّرة في متابعة دروسي وفي القراءة إلى أن بلغت الثالثة عشرة.

حين علمَت الإدارة في مدرستي بالمشكلة التي أعانيها في النظر، طلبت منّي ترك المؤسسة لعدم جهوزيتها في التعامل مع الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة. لحسن الحظ، تسجّلتُ في السنة التالية في مدرسة أخرى قدّمت لي منحة دراسية والاهتمام الّذي كنت بحاجة له من الأساتذة ومن مديرة المدرسة التي عمدت إلى تنظيم جلسات توعويّة حول تقبّل الاختلاف.

لاحقاً، درستُ إدارة الأعمال وتخرّجت في 2017 حاصدة معدلاً تراكمياً بلغ 3.5/4. خلال تحصيلي الجامعي، حرصتُ على دراسة ثلاث مواد فقط في كل فصل دراسي واعتمدت على قدرتي السمعيّة فحسب. في عمر الـ23 سنة، وفي سياق برنامج للتبادل الطلابي، أقمتُ خلال عام في البرتغال، وحدي، على الرغم من التحديات. قدّم لي الناس هناك في الشوارع العون الهائل وكانت هذه حال زملائي في الصف أيضاً؛ لقد كانت تجربة رائعة.

 في صيف 2019، خلال نشاط نُظّمَ للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، التقيتُ بمسؤولة "مركز الخدمات الانمائية" في الطريق الجديدة، بيروت. أخبرتني عن بعض التدريبات التي يقدّمها المركز، بما فيها صفوف التصوير الفوتوغرافي الذّي أثار اهتمامي فالتحقتُ بالتدريب.

أنا مطلقة وكان زوجي السابق شخصاً متملكا للغاية استنزف طاقتي. كنتُ الوحيدة التي تعاني ضعفاً في البصر بين المتدرّبات، غير ان ذلك أشعرني بالقوة. في نواحٍ كثيرة، ساعدني التدريب الذي استمر شهرين على استعادة قوتي وتفكيري الإيجابي. أشعرُ أنني لا أزال على قيد الحياة وأن في وسعي إحداث فرق.

إحسان حطب خلال التدريبات على التصوير الفوتوغرافي التي تحظى بدعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة. المصدر: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

خلال التدريب، تعلمّنا كيف نلتقط الصور الخاصة بجوازات السفر بالإضافة إلى التقاط صور أخرى وذلك من خلال استخدام إعدادات الضوء المختلفة، سواء كنا نصوّر حفل زفاف أو سجناً. أستخدمُ جميع حواسي لفعل الشيء الّذي استمتع به أكثر من أي شيء آخر: التقاط الصور. أقوم بمدّ ذراعي لتحديد المسافة بيني وبين الموضوع الذي أرجو تصويره، وأقترب من الأشياء لتمييز الألوان والتفاصيل، ثم ألتقط الصورة.

بمجرد انتهاء التدريب، عُرض عليّ تدريب في استوديو محترف للتصوير الفوتوغرافي ساعدني على الإستمرار خلال فترة كنتُ خلالها أنا ووالداي نكافح لتأمين الموارد الماديّة، كنتيجة للأزمة الاقتصادية المتصاعدة في لبنان وطلاقي الحديث. في بعض الأيام لم نستطع تأمين وجبات الطعام، فكنا نكتفي بالخبز والزعتر، ولكن بفضل المال الذي اكنسبته من التدريب، تمكنتُ من إعالة الأسرة في معظم الأيام.

خلال الوقت الذي قضيته في المنزل بسبب الإغلاق الذي تسبب به فيروس كوفيد-19، أتيحت لي فرصة التفكير بأحلامي المستقبليّة وبكيفية الاستفادة من مهارات التصوير التي اكتسبتها حديثًا.

أخطّط لإطلاق مشروع تجاري خاص ومسؤول اجتماعيًا يتخصص في إنجاز شرائط الفيديو التحفيزية. هدفي هو إنتاج أفلام قصيرة والمشاركة في المسابقات. أريد أيضًا تعليم المكفوفين وضعاف البصر كيفية التقاط الصور. أعتزم دراسة صناعة الأفلام، ذلك اني أريد مشاركة قصتي مع العالم، لكي ينظر الناس إليّ ويدركون أن لا شيء مستحيل!".